للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البحر من سفن الضلال، وتقلص مالها من الظلال.

ولما شوهد الأسطول ساطيا؛ وجيد النصر منه عاطيا؛ وأخذ البحر من الأعداء بحقه؛ وأشرق سنى النجح في افقه؛ ركب العسكر المنصور للقتال وأخذ أهبة النزال، وزحف الرجال إلى الرجال، والتقى الأبطال بالأبطال، وشفيت بدم الكفر غلة المناصل والنصال. واحمرت البيض الظامئات ورويت من نجيع الزرق، وبشرت جياع العواسل من اليراع العاسل بعاجل الرزق.

وظل أهل الضلال وقد كفهم الكفاح، وفكهم القتل والجراح. وأقوى الأقوى من الثبات، وبطل بطلهم بما لأثخنه من الجراحات، وبات المسلمون واثقين من الله بأن جمع الكفر قريب الشتات، وأدرك المشركين ما فاتهم من الآفات.

[ذكر قصة ملك الألمان وصحة الخبر المتواتر بوصوله]

صح الخبر أن ملك الألمان عبر من قسطنطينية الخليج. وخطب في تلك المروج بمروجه الخطب المريج وأنه وصل بجمعه إلى مضايق صعب عليه منها العبور، وعمهم في نهضاتهم العثور. فقيل إنهم أقاموا في قفار ومواضع شهرا، عدموا فيها الطعام ولم يجدوا بها إلا ضرا. وكان التركمان الاوجية على طريقهم يمنعون بغربهم من تشريقهم. فاضطروا إلى المقام بغير زاد، وهم في جهد وضر

واجتهاد. فصاروا يذبحون خيلهم ويأكلونها، ويكسرون قنطارباتهم لفقدان الخطب ويشعلونها.

فترجلت منهم ألوف، ورغمت أنوف. وكان ذلك في البرد الشديد، وزمان الثلج والجليد. فجمدوا وخمدوا، وتجلدوا وتبلدوا. وعدموا دواب لحمل الأثقال، ونقل عدد الرجال. فدفنوا وأحرقوا منها، وتركوها وسلوا عنها، وكان ذلك من الله لطفا، وأمست قوتهم صعفا.

وكانوا في خلق لا يعد، وجمع لا يحد. فما أثر فيهم ذلك النصب، ولا صدهم عن مقصدهم ذلك التعب. وما زالوا يسيرون والاوجية تبدى إليهم للوبال في أوجها أوجها، والإفرنجية لا تنتهي حتى تبلغ إلى ما لها من منتهى. حتى بلغوا إلى بلاد (قليج ارسلان بن مسعود) ومسلكها دونهم غير مصدود ولا مسدود. وقليج ارسلان محكوم عليه من ولده (قطب الدين ملكشاه) وهو يدبر أمره ويتولاه، ويسومه الإكراه. فعارضهم لما قربوا وتعرض لقتالهم، وطاردهم ليضيق عليهم سعة مجالهم. ثم اندفع من بين أيديهم وتعدى عن جانب تعديهم.

ودخلوا قونية دار ملك المسعودية. واعتصم قليج ارسلان بقلعتها المحمية، وتراسل هو وملك الألمان واتفقا في الباطن على ما كان بينهما من المواثيق والإيمان. وحمل ملك الألمان له وفرا وافرا، وأشبه المسلم بالكف عن الكافر كافرا.

ووافقه على العبور إلى الأقاليم الشامية، والبلاد الإسلامية. وعلى أنه يسير في بلده إلى بلد

<<  <   >  >>