للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجحفة.

وهذا أوان تحرك ذوى الحمية، ونهوض أهل الهمم الأبية العلية. فإن القوم في كثرة، ولا يقاتلون إلا بالكثرة. وهم مغترون بعلوهم، معتزون بعتوهم. مستنون في طريق العثرة. والسيل إذا وصل إلى الجبل الراسي وقف، والليل إذا بلغ إلى الصبح المسفر انكشف. والمجلس أولى من تولى تفريج هذه الغمة، وكشف هذه الملمة. حتى تخلف أماني الألماني، وتبطش إيمان الإيماني، وتخذل أنصار النصراني، ونجني وتبز رؤوس الجنوي والبيزاني.

فأين المؤدون فرض الجهاد المتعين؛ وأين المهتدون في نهج الرشاد المتبين؛ وأين المسلمون؟ - وحاشا أن يكونوا للإسلام مسلمين! وأين المقدمون في الدين؟ - ومعاذ الله أن لا يكونوا في نصرته على الموت مقدمين! ولولا التقيد بهذا العدو الرابض؛ لأطلقت أعنة النهضة إلى العدو الناهض. ولا بد من لقائه قبل تلفق الجمعين، وإراءة الملاعين وجوه حتوفهم ملء العين.

[فصل فيه]

قد سد طريق الفلق فيلقه الطارق، وزحف إلى الحق الثابت باطله الزاهق. وجال بالوجل وجاء بالوجيب، وثار لثار الصليب السليب. وقد جمر جمعه، ورتق فتق الصبح رقع نقعه. وما فض الفضاء ختام قتامه، حتى ختم على ضوء نهار الهدى ليل الضلال بظلامه، والرجاء محقق أن الألماني مخفق بالمامه، والإسلام مشفق من إسلامه، والدين موفق بنصره إمامه، وعصمة الله الواقية الوافية من ورائه وأمامه، والله الكافل بإعلاء أعلامه، وإحكام أحكامه.

[ذكر الوقعة العادلية]

كان الفرنج لما صح عندهم وصول ملك الألمان إلى البلاد، وأنه ملأ أحشاء الربا والوهاد بالأحشاد، قالوا إنه إذا جاء لا يبقى لنا حكما، والصواب أن نشيع لنا قبل شيوع اسمه اسما، لا سيما وقد خفت عساكر الإسلام، وقفل أكثرها إلى الشام. فنحن ننتهز الفرصة، ونحرز الحصة، ونهتبل الغرة، ونهجم عليهم هذه الكرة، ونذيقهم المرة المرة. ونفرغ من شغلهم قبل مجيء القادم، ونمت بعز العزائم، ونفل حدودهم بحدود الصوارم.

فخرجوا ظهر يوم الأربعاء العشرين من جمادى الآخرة، في حشر يذكر بحشر الساهرة، واسود بياض النهار من سوادهم، وتراءت الآجام لنا متوافية بآسادهم. وامتدوا إلى الخيم العادلية، واشتدوا بما استصحبوه من البلية. في كل ذئب أمعط، وسيد قد تورط. وسرحان سرح، وأفعوان كلح. وجهنمي تجهم فهجم، وجحيمى أقدم وما أحجم. وسعيري ناري استعار حدمة النار. وسقري قسوري عاد بعادة الاقتسار،

<<  <   >  >>