للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإسلام بحمد الله من المخوف. وأدرك الله بأخذ أرواحهم رمق الدين الملهوف. وهذا دليل ظاهر على ركود ريحهم، وخمود مصابيحهم.

[فصل]

حملت عساكرنا عليهم، وأحاطت بهم من حواليهم. ورضتهم بالدبابيس واللتوت، وتركتهم صرعى بتلك المروت. وساحت بتلك الساحة دأماء الدماء؛ واكتسى عرى العراء بتلك الأشلاء، وأفضى بذلك الفضاء جمرهم إلى الانطفاء، وأمرهم إلى الانقضاء. ورتعت ثعالب الرماح من كلأ كلاهم في المرعى.

وانجلت المعركة عن مهلكة عشرة آلاف (فترى القوم فيها صرعى).

وطابت من نتن جيفهم ريح النصر، وحسنت من سماجة مرآهم وجوه الدهر. والآن ألان الله شدة شكتهم، وقط شوك شوكتهم، وهبت نكباء نكبتهم.

ونرجو أن يسهل من أمرهم ما تصعب، ويؤلف بصدعهم من الإسلام ما تشعب.

[فصل]

وصلوا إلى الخيم العادلية فدخلوها، وتفرقوا فيها بجمعهم وتخللوها. وكان ذلك قبل تكامل ركوب العساكر، وتموج بحارها الزواخر. فحمل الملك العادل ومن هو قريب من الأمراء والمماليك؛ كولدنا الحسام ابن لاجين وصارم الدين قايماز النجمي وبشارة وجرديك. وعطفوا عليهم عطفة صدتهم عن الانعطاف، وصرفتهم عن الانصراف، وثارت آثارهم بواتر البواتر، واحتوت عليهم الضوامر احتواء

الضمائر على الأسرار بالحوافر الحوافر. وفضتهم بالفضاء، وعرتهم من كسوة الحياة بالعراء. وتمت نعمة الإسلام ببلائهم، وشفى الدين بدائهم، وكان بقاؤه في فنائهم، ولو لحقت الميسرة لتكمل قطع دابرهم، وأتى القتل على أولهم وآخرهم.

وانجلت المعركة من الكفار عن عشرة آلاف قتيل، ملأت كل واد وسدت كل سبيل. وقد ذلت عوتهم، وضعفت قوتهم، وعجزت قدرتهم ولما انقضت هذه الوقعة؛ وتم لناهضين إلينا الرجعة؛ رأيت أحد مماليكي ونصله قد خضب، وعزمه قد رضى بعد ما غضب. فسألته كم قتل؛ وإلى أين وصل؛ فقال: أما أنا فما أبقيت، وخضت البحر وما توقيت. وهذا غلامي قتل تسعة، وشام من عارض نجيعهم نجعة. وكان الذين حملوا، وهزموا وقتلوا وقتلوا أقل من ألف. فقتلوا أضعافا مضاعفة، وعدموا ممن وراءهم مساعدة ومساعفة.

وحكى من نوادر هذه الوقعة أن فرنجيا عقر فجثا للصرعة، فعثر به راكب برذون

<<  <   >  >>