للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيف نجد من مناصبها المناص، وهل نلقى من شؤم خصائلها الخلاص؟.

فأجمعوا على الإقدام وأقدموا على الاجتماع، وأخذوا بالارتياء في ترك الارتياع. وخرجوا بالفارس والراجل، وأموا بالحق أمة الباطل. وجاوزوا تلك المجانيق المنصوبة والستائر المضروبة إلى خيامهم، وخلفوها من ورائهم واللقاء من قدامهم. فلما خلت المنجنيقات ممن يحميها، خرج الزراقون من البلد ورموا النار فيها، فاحترق جميعها، وغرق في بحر النار صريعها.

وقتل في ذلك اليوم من الفرنج سبعون فارسا في اللقاء، وقطع الواصلون إليهم عليهم طريق البقاء. وأسر منهم خلق كثير، من جملتهم أربعة من المعروفين، فبهم فارس كبير. فما أمهلوه حين أخذوه، حتى قتلوه ونبذوه. فطلبه منهم الفرنج بالأموال، ولم يعرفوا بالحال. فأخرجوه إليهم فتيلا، فأكثر الفرنج عليه بعد التعويل عويلا. فباتوا يندبونه نوحا، ويذيعون سر تقدمه فيهم بوحا. فخمدوا بعد ذلك الضرام، وكدوا بعد هبوب ريح المرام.

وضربت عليهم الذلة، وشجتهم عقودهم المنحلة، وعقولهم المعتلة. وطمع فيهم

الناس، وعرا طمعهم اليأس. وصارت الخنادق تهجم؛ والستائر نهتك وتضرن؛ والحدود بالمصال تثلم؛ والخدود بالنصال تلثم؛ إلى ليلة شعبان من السنة، فآبت بالحالة الحسنة. فإن أصحابنا خرجوا على غرة، ومضوا إلى القوم بإنكاء مضرة. واحرقوا منجنيقين كبيرين قد نصبا بعد كل استظهار، وانفق على أحدهما كندهري ألفا وخمسمائة دينار. وكانت الليلة الأولى من شعبان مباركة، ونعم الله لنا نقم الله على العدو فيها متداركه.

[ذكر وصول بطسة بيروت في العشر الأخر من رجب]

قد تواردت الشكوى من البلد أن الذخيرة قد فنيت، وأن الأفكار باستدعائها عنيت، وأن الأجسام لفقدان قرتها ضنيت. وأبطأ على السلطان وصول البطس المستدعاة من مصر بالغلات، فرأى أن ذلك من تقصير الولاة. وأفكر فيما يعجل به قوة وقوتا، ويجعل له أجلا موقوتا.

فكتب إلي وإلى بيروت - عز الدين أسامة - أن يهجر في كل ما به عز الدين السآمة. ويعطى ويتزكى، ويحتال في إنقاذ ميرة إلى عكا. فعمر بطسه كبيرة واعدها، وأجد من عزيمته الماضية فيها جدها. وتولاها بخلق سمح، وملأها بأربعمائة غرارة قمح. ونقل إليها أنواع الطعام، وأصناف الادام، وقطيعا من الأغنام.

وهذه بطسة من الفرنج مأخوذة، وهي بساحل بيروت منبوذة. فأمر السلطان بترميمها وتتميمها، وإخفاء البغية منها وتكتيمها. وأزيحت منها العلة، ونقلت إليها الغلة. ملئت بالشحوم واللحوم، وبكل ما تدعو إليه الحاجة من المشروب والمطعوم. وحمل فيها من أحمال النشاب والنفط ما جمع به فيها بين القوة

والقوت، ورتبت

<<  <   >  >>