للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والكفر خزيان ينظر، ونهضت بالعز والعدو في ذيل الذل يعثر.

ووصلت الثلاث وهي سالمة، والمثلثة راغمة، والموحدة غانمة. وقد فرج الله بها غمة الثغر، ودفع ما ألم به من الضر. وحمدنا الله على الموهبة التي أدركت الارماق، وأدرت الأرزاق. وتلافت الأرواح من التلف، وحملت على النفوس المشفية مشاق الكلف.

[فصل من كتاب إلى سيف الإسلام في هذا المعنى]

كان كتب إلينا أصحابنا بعكاء أننا حسبنا؛ والى ليلة نصف شعبان لا يبقى لنا شيء نقتاته؛ وبقاؤها ببقاء القوت وفواتنا فواته. فبينا نحن في هذا المهم مفكرون؛ ومن هذا الهم متنكرون، إذا ظهرت للعيون بالقرة، وللقلوب بالقرار والمسرة، ثلاث بطس على ثبج البحر مستقرة. يبعثها لطف الله بعثا، وتحثها الريح القوية حثا. كأنها جبال بإقبالها تروع، وتسور أجنحتها القلوع.

وشعر الفرنج بها فضاقت مذاهبها، وبرزت مراكبها، ودبت عقاريها. وقربت من

البطس شوانيها، وقويت في البطش أمانيها. وحمى ما فيها من فيها من الرجال، (وهي تجري بهم في موج كالجبال). وكأن جواريها عرائس يزففن بما لهن من الجهاز، وكأن البحر المتموج ثوب بتلك الأعلام المنشئات معلم الطراز، بل كأنها تجار تحمل الصدقات إلى ذوي الاعواز. فجاءت فجأة متسقة موسقة، وأتى الآتي بها موافقة موفقة. فلم يقدر على مقاربتها ومقارنتها شبني شانئ، وكانت كلاءة الله وعصمته لها خيرا من كل كالئ.

وجازت والكفر خزيان ينظر، وفازت بالعز والعدو بذيل الذل يعثر. وكان وصولها أوان انفضاض الازواد وإنفادها، فملأت المدينة بغلاتها وأزوادها، وعصمت أرماقها، ودسمت أمراقها، وقسمت أرزاقها، واشبعت جوعها، وشعبت صدوعها، وأنالت آرابها، وأزالت أجدابها، وخصتها بخصبها، وصحت لها بسحبها.

فأفاقت من الفاقة وأفرقت من الفرق، وسكنت بعد القلق، وعاد إليها بعد الغسق أسفار الفلق.

والحمد الله المغنى بعد الإعدام، المدني السني بعد الاطلام، المفنى بأوليائه أعداء السلام.

[ذكر عيسى العوام وما تم عليه في العشر الآخر من رجب]

وكان رجل يعرف بعيسى العوام؛ قد تردد بالكتب والنفقات؛ إلى عكاء ومنها في ذلك العام. وكان ناصحا أمينا، بحفظ الأسرار ضمينا، يسبح ليلا في البحر، ويعبر على مراكب أهل الكفر، ويصل بما معه إلى الثغر. ولكم خاطر بنفسه فسلم، واعتورته أسباب المتالف والآلام فما ألم.

واتفق إنه عام ذات ليلة غير مكترث بما في طريقه من أخطار، وعلى وسطه ثلاثة أكياس فيها ألفا دينار. ومعه من نفقات الأجناد ودائع،

<<  <   >  >>