للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم عمل الفرنج برجا عاليا في اكبر مركب، وحشوه بالحطب. وعملوا على رأس صاريه مكانا يقعد فيه الزراق، ويتأتى له فيه الإحراق.

وقدموه إلى برج الذبان، وسلطوا على جانبيه النيران. وقصدهم بذلك إحراق ستائر أبراج المنصور، ورأوا أن في ذلك هدم بنيانه المعمور. وحسبوا أن الستائر إذا وقت فيها النار، تعذر على رجاله القرار، تعذر على رجاله القرار، وتعجل منهم للحذار الفرار.

وكادت الستائر تشمل، والخواطر تشتغل، والحال تضرب، والبال يلتهب. والقلوب تضطرم والكروب تحتدم. فأهب الله من مهب لطفه نكباء نكبت النار عن البرج المحروس، وأكبت الفرنج على الوجوه والرءوس. وتعس جدهم وتعكس قصدهم. وانقلبت الريح التي لهم عليهم، وصوبت مراني العذاب إليهم.

[فصل في المعنى]

ولما وقم الله القوم، قالوا لا طاقة لنا اليوم. وعادوا وقد غرموا ورغموا، واخلف ما عزموا وزعموا. واشتغلوا بملْ بطس لهم شحوما وأحطابا، وأدهانا وأخشابا. وأشعلوا فيها النار وألهبوها، وأرسلوها إلى مراكبنا في يوم ريح عاصف وصوبوها، وأدنوها منها وقربوها. وكادت سفننا تحترق، ومراكبنا تفترق.

فأنزل الله الفرج وقت الشدة، وآمن من المخافة المحتدمة المحتدة. وانقلبت الريح عليهم وعادت مخالفة لهم بعد أن كانت موافقة، وحالة تلك الحالة للعادة خارقة. فاحترقوا بنارهم، وشرقوا بعارهم.

وجذبت بطس أولئك الكلاب بالكلاليب، وتوالت ألطاف الله في تلك النوب المتناسقة مطردة الأنابيب، مستهلة الشآبيب.

[ذكر الكبش وحريقه بعد تعب العدو في أحكامه وتسوية طريقه]

واستأنف الفرنج عمل دبابه هائلة، وآلة للغوائل غائلة. في رأسها شكل عظيم يقال له الكبش، وله قرنان في طول رمحين كالعمودين الغليظين، أقفال الأسوار المعلقة بها نفش. فكم سور إذا نطحته طحنته، وكم معقل حصنه الدهر حصته وصحنته.

وهذه الدبابة في هيئة الخربشت الكبير. وقد سقفوها مع كبشها بأعمدة الحديد، وكملوا لها أسباب الأحكام الشديد. ولبسوا رأسي الكبش بعد الحديد بالنحاس، وكسوها حذرا عليها من النار سائر البأس. فلم يبق للنار إليها سبيل، ولا للهعب عليها دليل.

وشحنوها بكماة المصاع، وحماة القراع. ورماة الحدق، وكساة الحلق. وعفاة الحتف، وجفاة الزحف ومجتابي الزغف، ومجتبي العسف. من كل سرحان لا ينظر إلا من جلد أرقم، وكل شيطان لا يقتحم من الحرب إلا جهنم. وكل

<<  <   >  >>