للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذكر وفاة زين الدين صاحب إربل]

في ليلة الثلاثاء ثامن عشري شهر رمضان وما جرى بعده من الحال

قد جرى ذكر هذا الأمير، وما يتحلى من الكرم والخير. وهو (يوسف نيالتكين بن علي كوجك). ومن سعادة جده ما طلب غاية في الكرم إلا أدرك. وما كان أسره يوم الحضور، وأحظره يوم وفاته السرور. فلقد كان جارا للكتائب، بارا بالأباعد والأقارب. سارا بإسداء المواهب، دارا بأخلاف الرغائب، مارا في سبل المناقب، قارا على قلق النوائب.

وكان في ريعانه الرائع، وشعاعه الشائع. وشبابه الطرى طرير الشبا، وحبه لعقد السؤدد معقود الحبا. فمرضت الأيام بمرضه أياما، وتلهبت القلوب منا للتلهف عليه وقد أمست مراضا ضراما. وعدته بطبيب السلطان فلم يأنس به، ولم يسكن

إلى طبه. لما كان يعلم من منافسة أخيه مظفر الدين في موضعه، وأنه بنتعش بمصرعه. فاكتفى بصاحب له يطبه، يوافقه على ما يحبه. وهو جاهل بمزاجه، ذاهل عن علاجه. فشب الحمام في حمى شبابه ناره، وأذوى غصنه قلنا ما أزهى أزهاره، وما أنضر نضاره!

ونقله الله من جانب الحياة إلى حياة الجنان، وعجل به ليجازيه لإحسانه بالإحسان. وحوله من بين الأتراب إلى التراب، ومن دار الاغترار والاغتراب إلى موطن الثواء بالثواب، وآذن الزمان بعد الأجداد بإجداب. ولزمه أخوه مظفر الدين حتى فارقه، وما ظهر عليه الغم حتى قيل إنه سره موته ووافقه.

وقصدناه معزين على ظن إنه جلس للعزاء، فإذا هو في مثل يوم الهناء. وهو في خيمة ضربها في مخيم أخيه، واحتاج على جميع ما يحويه. ووكل بالأمراء أصحاب القلاع ليسلموها، وخشي أن يعصوا فيها إذا رجعوا إليها ويحموها. وخدم بخمسين ألف دينار حتى أخذ إربل وبلادها، ونزل عن حران والرها وسمسياط والبلاد التي معه وأعادها. وزاده السلطان شهرزور وأحكم بمسيره الأسباب والأمور. فاستمهل إلى حين وصول الملك المظفر تقي الدين لينزل في منزلته بجنده وصحبه الميامين. فوصل يوم الأحد ثالث شوال، فحلى بعد العطل الأحوال.

وكان قد أنفصل صاحب الجزيرة - معز الدين سنجرشاه - وذهب مغاضبا وكان السلطان له في الانفصال عاتبا. فأعاده تقي الدين من الطريق، وقبح له ما استحسنه في ترك الموافقة من عدم التوفيق. وكان هذا سنجرشاه دخل يوم العيد بكرة للهناء، فاستأذنه في الانكفاء. فخرج على حالته وسار وتبعه أصحابه، ولج جماحه وتعذر أصحابه. فلما اجتمع به تقي الدين رده، وبذل في صيانة منزلته عند السلطان جهده. وطال على الملك عماد الدين صاحب سنجار المقام. وجد في الاستئذان في الرحيل منه الاهتمام في الرحيل منه الاهتمام، وصدق الاعتزام.

وتقرر ملاله، وتكرر سؤاله. فكتب إليه السلطان.

<<  <   >  >>