للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثبوا على جسادهم، وثاروا لمراد مرادهم، ولاقوا اجمعنا بأجمعهم، وفاضوا لفيضنا من منبعهم.

فاندفع الأصحاب حتى تبرزوا، ثم ردوا عليهم الكرة فأثخنوا وأجهزوا. وقتل في تلك المعركة كند كبير، وشيطان لنار شره من سعيره مستعير. وطلبوا بعد انفصال الحرب جثته فأعطوها، والتمسوا هامته فلم يجدوها. وكان رجلا يعد برجال، وسلبه قوم بأموال. ولولا ما اتفق من التياث مزاج السلطان، ما سلك من سلم حزب الشيطان. ولله في كل قضية سر، وفي كل بلية بر.

[ذكر وقعة الكمين]

وما زال السلطان موفقا في آرائه، مشرقا بلألاء آلائه، ومن آرائه الراجحة؛ ومساعيه الناجحة؛ ومتاجره الرابحة؛ إنه رأى أن يرتب على العدو كمينا، وعلم ان الله يكون ينجحه ضميعا. فجمع يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال منتخبي رجاله، ومنجبي أبطاله، وخواص اتراكه، وعوام فتاكه. فانتخب منهم كل من عرفت سابقته، وسبقت معرفته، وأحمدت في الجلاد جلادته، وفي لقاء العدا عاداته، وعلمت في الفتك جهالته.

وأمرهم بأن يكمنوا على ساحل البحر بقرب المنزلة العادلية القديمة، فمضوا وكمنوا ليلة السبت متنبهي الهمة متيقظي العزيمة. وخرجت منهم عدة يسيرة بعد الصباح، منادية بحي على الفلاح.

ودنوا من خندق القوم، ونادوا لا قعود بعد اليوم. ومطروهم سهاما، وأسعروهم ضراما. فطمع الفرنج فيهم، وظنت أنها تلاقيهم. وخالتهم صيدا قد سنح، وسربا قد سرح. فقطعت خنادقها، وبتت علائقها، وحثت سوابقها. وأخاضت بحر الحرب سوابحها، وقد أفاضت سوابغها، وشامت صفائحها. وتجردت عن رجالتها، وتفردت بضلالتها، وحملت بجهالتها، وأقبلت بإدلالها لا بدلالتها.

وتطارد اصحابنا أمامها، وانهزموا قدامها. حتى وقفوها على الكمين، وأوقعوها في الهلك المبين. فخرج الكمين عليها، وتبادر إليها. فلم يستطع فارس منها فرارا،

ولم يطق من غرته أن يمضي غرارا. وكانت في مائتي قنطارى، من كل مقدم باروني وبطل داوي واسبتاري. فقتل معظمهم، ووقع في الأسر خازن الملك، وعدة من الافرنسيسية ومقدمهم. وملكوا وسلبوا وملك سلبهم، وتقطع بهم سببهم، وما وصلهم أربهم.

وجاء الخبر الينا، فركب السلطان وركبنا. وسار ووقف على تل كيسان، فشاهد من الله هنالك الإحسان. وجاءه مماليكه يقودون أولئك الأعزة بخزائم الذل، ويجودون بما استخلصوه من ذلك القل. ويقدمون المقدمن من سراة الاسارى، وتلونا لما شاهدناهم، (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) فقد رضتهم اللتوت، وقضقضتهم الليوث، وبعثتهم إلى مصارعهم الظاهرة من مكامن الآجال البعوث.

<<  <   >  >>