للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذكر جماعة من المستشهدين في هذه السنة]

استشهد في عكاء سبعة من الأمراء كل منهم سبع، ما في لقائه للقرن طمع. ومن جملتهم (سوار) من المماليك الخواص، ومن ذوي الاستخلاص وكان هذا (سوار) في كل حرب مياورا. ولكل هول مباشرا، وبكل بوس عبوس باشرا. فجاءه سهم عائر، فإذا هو إلى الجنة سائر. وكذلك عدة من أمراء الأكراد، كانوا من الآساد، فازوا بحظ الاستشهاد.

وخرج أسطولنا في هذه السنة، بشوانيه المعجمة المحسنة. ليكبس شواني الفرنج في مواضع الربط، وإحراقها بقوارير النفط. فخرجوا إلى شوانينا بشوانيهم ولقوا بعواديهم. وظفرت أساطيلنا وطالت، ووصلت إليها وصالت، ونالت من الظفر ما نالت. وأحرقت للكفر شواني برجالها، وغرقتها بأبطالها.

وكان عند العود تأخر لنا شيني مقدمه أمير مبارز، كالأسد الخادر. لا يصحر إلا للفريسة ولا يبرز. وهو يعرف بجمال الدين محمد بن ارككز. فشين الشيني وشانه، وما أعانه أعوانه، وامتلأت بالأعطاب اعطانه، واضطربت للإنكار أركانه، واضطرمت بأهل النار نيرانه. فتواقع من فيه إلى الماء، واحترزوا من البلاء بالبلاء.

ووقف الأمير على قدم جلده بجالد، ويجد ويجاهد، وقد أثقله بلبس البسالة الحديد، وخف به العزم الشديد السديد، وقد دعاه إلى أمنية المنية الذكر الحميد، والأجر العتيد. فما ارتاع للروع ولا استطاع الانقياد بالطوع. ولا مكن العدو من مكانه، وأخذ مع الشانئ بشنآنه.

ولولا أن ملاحيه جبنوا وفروا، ومناصحيه خذلوا وما قروا، لجنى بسيفه ثمر النجلة، لكن الأجل قطع عليه طريق الحياة، فاجتمعت على مركبه مراكب الجمع، وسدوا عليه سبل البصر والسمع. وقالوا: خذ منا الأمان واستأسر، وهون الأمر

عليك ولا تعسر ويسر. فالعاقل يختار البقاء على الفناء والوجود على العدم. وأنت في عين الهلاك أن لم تعطنا اليد وثبت على هذه القدم. فقال: ما أضع يدي إلا في يد مقدمكم الكبير، ولا يخاطر الخطير إلا مع الخطير. فسموا له كندا أرضاه، وأراد أن يشركه فيما الله قضاه.

فلما دنا ليأخذه لزمه وعانقه. وقوى عليه وما فارقه. ووقع إلى البحر وغرقا، وترافقا في الحمام واتفقا، وعلى طريقي الجنة والنار افترقا. فارتوى الشهيد السعيد بماء النعيم، وصلى الكند الكنود بنار الجحيم.

واستشهد أيضا في ذلك اليوم الأمير نصير الحميدي، جرح فمضى حميدا، وشهد مقامه في الجنة شهيدا، وسعى دهره حتى قضى سعيدا. ولم تخل وقائع هذه

<<  <   >  >>