للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعولها. وما صدقوا كيف نجوا وافلتوا، وسكنوا فيها بنية الاستيطان ونثبتوا. وعلموا أنهم إن خرجوا أخرجوا، وان سلكوت هلكوا، وزعموا أنهم إذا صبروا ملكوا.

[ذكر ما اعتمده السلطان بعد دخول الفرنج إلى يافا]

رحل السلطان يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان ونزل بالرملة، واجتمعت الأثقال كلها به في تلك الرحلة. ورحل ليلا واصبح على (يبنى)، وجاوزها إلى نهر أمر أن الخيام به تبنى. وزرنا بيبنى قبر أبي هريرة رضوان الله عليه، وتبادر الناس للتيمن به إليه. ورحل ونزل بظاهر عسقلان بعد العصر، وشرع فيما عزم عليه من الأمر.

[ذكر خراب عسقلان]

لما نزل بالرملة أحضر عنده أخاه العادل وأكابر الأمراء، وشاور في أمر عسقلان ذوي الآراء. فأشار علم الدين سليمان بن جندر بخرابها للعجز عن حفظها على ما بها. ووافقه الجماعة، وقالوا: قد ضاقت عن صونها الاستطاعة. فإن هذه يافا وقد نزلوا بها وسكنوا فيها، مدينة بين القدس وعسقلان متوسطة، ولا سبيل إلى حفظ المدينتين، ولا تفي الحال بحماية البلدين، فإن كل واحد منهما يحتاج في حفظه إلى عشرين ألف مقاتل، والى الاستكثار لأجل ذخائره من كل حاصل. فانظر إلى أصوب الرأيين فقدمه، وأبصر أخطر الداءين فاحسمه، واعمد إلى أشرف الموضعين فحصنه وأحكمه، وتيقن أن عسقلان إذا وصلوا إليها وهي سالمة تسلموها، واستظهروا بها وأحكموها. وتقووا بها على سواها، وبلغوا من بغيتهم وبغيهم إلى منتهاها.

واقتضت الآراء، إقامة الملك العادل بقرب يافا مع عشرة من الأمراء. حتى إذا تحرك العدو كانوا منه على علم، ومن قصده على عزم.

ووصل السلطان إلى عسقلان، وشرع في هدمها بكرة يوم الخميس تاسع عشر شعبان. ولو حفظت لكان حفظها متيقنا، وصونها ممكنا، لكن وجد كل له متجنبا متجبنا. وقد راعتهم نوبة عكاء وحفظها ثلاث سنين. وعادت بعد ذلك بمضرة المسلمين. وقال من تعلل واعتذر عن دخولها؛ وحل عقد عزمه عن حلولها: تدخلها أنت أو أحد أولادك؛ فندخلها اتباعا لمرادك.

فحينئذ لم يجد بدا من نقض أسوارها، وغض أنوارها، وفض سوارها، وتعفية آثارها، وتطفية نارها. ولو كان وقع الاعتناء بابتنائها؛ مذ يوم فتحها واقتنائها؛ لما تطرق إلى أيدها خلل، ولا إلى يدها شلل، ولا إلى حدها فلل، ولا إلى ودها ملل.

وقد كنت ركبت إليها وطفتها، واستحسنتها واستلطفتها. ورأيت سورها قبل فصم سواره، ونورها قبل ذبول نواره. فما رأيت أحسن منها ولا أحصن، ولا أحكم من

مكانها ولا أمكن.

وسكانها كانوا في رفاهية، فانتقلوا منها على كراهية. وباعوا أنفس الاعلاق بأبخس الأثمان، وفجعوا بالأوطار والأوطان. وساءت اسواؤها، ونأت أنواؤها، وأناخت لأواؤها، وباخت أضواؤها. وسمع غناء المعاول في مغانيها المعولة، ورئيت دائرة الزلزال في دورها المتزلزلة.

<<  <   >  >>