للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي يوم العيد وهو الثلاثاء؛ أعد السلطان من الليل خلع الأكابر حتى سارت إليهم بكرة، واحدث بحسن احتبائه لكل عين وقلب قرة ومسرة. ثم استدعاهم إلى سماطه، ونشر لهم بساط نشاطه. وجلس الملك معز الدين قيصر شاه بن قليج ارسلان عن يمينه، وأعزه بتقريبه وتمكينه. ويليه حسام الدين خضر أخو صاحب الموصل، ولسمو منزلته دنو المنزل. وعلاء الدين - ابن أتابك الموصل - عن يساره، وهو يؤثره باختصاصه ويخصه بإيثاره. ومجاهد الدين يرنقش مقدم عسكر سنجار جالس، والأكابر كلهم هناك في منزلته منافس. ثم تفرق الناس بأنس جامع، وعرف شائع، وعرف ضائع.

[ذكر نزول السلطان جريدة بالرملة ليقرب من العدو ومواقعته له في كل يوم]

تواتر الخبر بأن الفرنج على عزم الخروج، وانهم على الاجتماع في تلك المروج. فسار يوم الاثنين سابع شوال، وقد أركب العسكر للقتال. فلما بلغ قبلي كنيسة الرملة، جميل الحال حالي الجملة؛ خيم وبات، ونوى البيات والثبات. وجاء الخبر في غد؛ بأنه خرج العدو إلى يازور في أوفر مدد. وتسارع العسكر اليهم، وتكاثروا عليهم، وقربوا من خيامهم، واخذوا عليهم من ورائهم وأمامهم. وناشبوهم بالنشاب، وكاثروهم بالأوباش والأوشاب.

فركب الفرنج اليهم ركبة، أوجبت رهبة. وحملوا على الناس حملة واحدة، وحلت عجاجة عليهم عاقدة. فاندفعوا بين أيديهم، فأدركوا ضعافا طمعوا فيهم. وفقد من المسلمين ثلاثة بالشهادة، وكانت مسعاتهم إلى السعادة. وكذلك في كل يوم يركب

السلطان ما يخلو من وقعة، ولابد للكفار فيها من صرعة.

[ذكر وقعة الكمين]

وفي ليلة الأربعاء سادس عشر شوال أمر السلطان رجال الحلقة المنصورة بأن يكمنوا في جهة عينها في المواضع المستورة. فكمنوا وأمنوا، وصبروا وانتظروا. وخرجت الفرنج للاحتشاش، وباشروا عثار انحصارهم في الاصحار بالانتعاش. ولقيتهم إعراب على عراب، بصوارم في أيمانهم كأنها بروق في سحاب. فركبت إليها من الخيام، ورحبت في ترحيب صدورها بصدور الحمام، فاندفعت العرب أمامها، وحققت انهزامها. وما قدرت على قصد موضع الكمين، لانسداد الطريق. بالآساد الشم العرانين دون العرين. فمرت العرب في جانب، والكمين في جانب. والخيل تركض بسالب من سالب، وناهب من ناهب.

ونجا العرب، وفاتهم الطلب. وحضروا بأسارى ونهاب، وأفراس وأسلاب. فأما أصحابنا في الكمين؛ فإنهم ابصروا الفرنج ناهضين، وفي المعترك راكضين، فخرجوا على ظن انهم على قصدهم، فلما بصروا بهم نشبوا بردهم عن وردهم. وركضوا إليهم على بعد، فأتعبوا الخيل بما جدوا فيه من إحضار وشد.

<<  <   >  >>