للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القدس على حسب تراجم الظنون. ثم ضربوا خيامهم يوم الأربعاء على بيت نوبة، واجتلينا نيرانهم المشبوبة.

وسرت منا إليهم السرايا، وتوالت عليهم البلايا. وأظهر السلطان مقامه بالقدس، لتبعد وحشة المقيم فيه من قربه بالأنس. وفرق الأبراج والأبدان على الأمراء والأجناد، وذوى القوة والاستعداد، وأمرهم بنقل الازواد. ثم زال الرعب وطاب القلب. وخرج الناس إلى خيامهم يتخطفونهم، ويعسفونهم ويتحيفونهم. وجرت وقعة بعد وقعة، وكبسناهم دفعة بعد دفعة.

ومن ذلك أن بدر الدين دلدرم كان في اليزك ليلة الجمعة التاسع والعشرين فبعث

من أصحابه والعسكر إلى طريقهم من يافا من لزم الكمين. فجازت بهم فرسان من الفرنج، مستقيمون على النهج. فخرجوا عليهم وقتلوا واسروا وفازوا ونصروا.

وفي يوم السبت نزل الناس اليهم، واتلوهم في خيامهم، والهبوهم بضرامهم. وركب العدو وساق إلى قلونية وهي ضيعة من القدس على فرسخين ثم عاد بائد الشأن بادي الشين. وعساكرنا قد ركبت أكتافه، وهي تقطع أطرافه، وتهز أعطاف البيض لتحز أعطافه. وفي يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة، خرج كمينا في طريق يافا على السابلة العابرة. فظفروا وفازوا، وحووا وحازوا، وكسروا وأسروا.

[ذكر كبسة الفرنج عسكر مصر الواصل]

كان السلطان يستحث عسكر مصر بكتبه ورسله، ويدعوه نجدة لأهل القدس على الكفر وأهله. فضرب العسكر خيامه على بلبيس مدة حتى اجتمع الرفاق، وتهيأ لمن تأخر عن السابق اللحاق. وانضم إليهم التجار، وحصل لهم لكثرتهم الاغترار، وللعدو لقدومهم الانتظار، وعنده بجواسيسه الاخبار. فجاء الخبر من اليزكية إلى السلطان، ليلة الاثنين التاسع من جمادى الآخرة؛ أن العدو - ملك الانكتير - ركب في سبعمائة فارس وألف تركبولي ومعه ألف راجل، وسار عصر يوم الأحد سير مخادع مخاتل. ولا يدري أي جانب قصد، ولأي نائب رصد. فجرد السلطان أمير (آخر أسلم)، خوفا على الواصل ليسلم. وندب معه الطنية وعدة من العادلية، وأمرهم بأن يأخذوا بالناس في طريق البرية. فعبروا على ماء الحسى، قبل وصول العدو اليه، واتصلوا بالقوم وخبروهم بأنهم كشفوا الماء وليس أحد عليه.

وكان مقدم العسكر المصري فلك الدين أخو العادل، ولم يسأل عن المراحل والمنازل. وقصد أقرب الطرق، وغفل عما يعرو من الفرق والفرق. وترك الأحمال على طرق أخرى سائرة، ورأى الأمنة ظاهرة، وأوجه السلامة سافرة.

وجاء ونزل على ماء يعرف بالخويلفة، والأماني تغره بالمواعيد المخلفة. ونادى تلك الليلة: إنا جزنا مظان المخافة، وفزنا بالسلامة من الآفة، فلا رحيل إلى الصباح. فاغتر الناس بالنداء الصراح. وناموا مسترسلين، وباتوا متغفلين. فصبحهم العدو عند انشقاق الصبح بالصدمة الشاقة، والخدمة الحاقة. وعاق ابن ذكاء بإذكاء بنت

<<  <   >  >>