للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم نعرج حتى خيمنا على صيداء وقد حصلنا على صيدنا، وخلصنا من كيدنا،

وانطلقت همما من قيدها. فقد جاءت رسل صاحبها. بمفاتيحها، وأذهبنا ظلماتها من العزائم الغر بمصابيحها، وطلعت الراية الصفراء باليد البيضاء على سورها. وجلت غياهب تلك المذاهب بنورها، وفتحت ابوابها، وانجحت آرابها. وعز مسلموها، وذل مشركوها وسكن ساكنوها، وهلك أهلوها. وعادت معالمها مأهولة بعد أن كانت مقفرة مجهولة. وصدح منبرها، وصدق مفخرها. وربح متجرها، ووضح منظرها. وأقيمت بها الجمعة والجماعة، واستديمت بها بعد العصيان لله الطاعة.

فتح بيروت

وكان النزول عليها يوم الخميس ثاني عشري جمادى الأولى وتسلمها يوم الخميس التاسع والعشرين منه

ولما فرغ من شغل صيداء وتبنين؛ وجمع لهما التحصين والتحسين؛ قال لعصمة الله شيدي ما بصيداء وتبنين تبنين. وألحفيهما رداء الحماية فما يضيع ما تحفظين ولا يطرق ما تحمين، ثم صرف عنانه، وارهف سنانه. ورحل على سمت بيروت، مالئا بعسكره الآكام والمروت. وسار على الساحل، بتلك الجحافل. ببحر على البحر مائج، ومجر مجر إلى الهياج هائج، ونقد من عقد الجد رائج، وعزم على صدق القصد عائج.

ووصل اليها ونزل عليها. وبنيت القباب، وطفا على خضم المعسكر من الخيم الحباب، وضويق البلد، وفورق الجلد. وأحاط الرجال بأرجائه، ورجمت بشهب النصال شياطين الضلال في سمائه. وانقضت نجوم السهام من أبراجه، وتلاطم عباب ذلك الجمع الجم بأمواج أفواجه. وترجل دونه الناس، وتعجل نحوه الباس، واصطفت التراس، واشتد المراس. واحتد القتال، واحتدم النزال. وامتد المصاع والمصال.

واتصل خروج الجروخ للجروح، ودام احتراق الروح على اقتراح القروح. ومدت الجفاتي كأنها اعناق البخاتي. وأتى العاتي، وعتا الآتي، وأحمد النصر الموافي المواتي، ودارت كؤوس المنايا للأرواح بخذى وهاتي. وطارت القوارير، وثارت المساعير. واشتعل النفط، واشتغل الرهط. والتهم الزراق، والتهب الحراق. ومرق الشهم الكمي، مروق السهم من الرمى، وأتى الوادي فطم على القرى. ودبت الدبابة بليوث الرجال، وصبت الصبابة غيوث النبال، وارتجزت رواعد الأبطال، وانتجزت مواعد الآجال، وجالت في الضمائر ضوامر الاوجال، وهالت بالنوازل نوازي الأهوال.

ورعدت بوارق البوار، وأسعدت الأقدار بالإقدار. وشغلت الرقاب قواضي القواضب،

<<  <   >  >>