للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مالها عليها في الخزن واستطلق صاحب البيرة زهاء خمسمائة أرمني، ذكر أنهم من بلده. وإن الواصل منهم إلى القدس لأجل متعبده، وطلب مظفر الدين ابن علي كوجك) زهاء ألف أرمني ادعى أنهم من الرها، فأجراه السلطان من إطلاقهم له على ما اشتهى.

وكان السلطان قد رتب عدة دواوين، في كل ديوان منها عدة من النواب من المصريين ومنهم من الشاميين، فمن أخذ من أحد الدواوين خطا بالأداء انطلق مع الطلقاء، بعد عرض خطه على من بالباب من الأمناء والوكلاء. فذكر لي من لا

أشك في مقاله؛ أنه كان يحضر في الديوان ويطلع على حاله، فربما كتبوا خطا لمن نقده في كيسهم، ويلبس أمر تلبيسهم. فكانوا شركاء بيت المال لا أمناه. وخانوه على ما حصل لكل من الغنى والنفع وما أضر غناه، ومع ذلك حصل لبيت المال ما يقارب مائة ألف دينار، وبقي من بقي تحت رق وأسار، ينتظر به انقضاء المدة المضروبة، والعجز عن الوفاء بالقطيعة المطلوبة.

[ذكر يوم الفتح وهو سابع عشري رجب]

واتفق فتح البيت المقدس في يوم كان في مثل ليلته منه المعراج، وتم بما وضح من منهاج النصر الابتهاج، وزاد من الألسنة بالدعاء والابتهال الالتهاج. وجلس السلطان للهناء، للقاء الأكابر والأمراء، والمتصوفة والعلماء. وهو جالس على هيئة التواضع وهيبة الوقار، بين الفقهاء وأهل العلم جلسائه الأبرار. ووجهه بنور البشر سافر، وأمله بعز النجح وافر ظافر وبابه مفتوح، ورفده ممنوح. وحجابه مرفوع، وخطابه مسموع ونشاطه مقبل، وبساطه مقبل. ومحياه يلوح، ورياه يفوح. ومحبته تروق ومهابته تروع، وآفاته تضيء وأخلاقه تضوع. ويده لفيض امواه السخاء، وفض أفواه العطاء؛ ظاهرها قبلة القبل، وباطنها كعبة الأمل.

قد حلت له حالة الظفر، وكأن دسته به هالة القمر. والقراء جلوس يقرأون ويرشدون، والشعراء وقوف ينشدون وينشدون. والأعلام تبرز لتنشر، والأقلام تزبر لتبشر. والعيون من فرط المسرة تدمع، والقلوب للفرح بالنصرة تخشع، والألسنة بالابتهال إلى الله تضرع، والكاتب ينشى ويوشى ويوشع، والبليغ يسهب ويوجز ويضيق ويوسع.

فما شبهت قلمي إلا بشائر أرى البشائر، ولا وجهت كلمى إلا لطائف وحي اللطائف. وما أرسلت يراعى ألا ليرعى الرسائل، ويوشع الفضائل، ويشيع الفواضل. ويشبع القول، ويسبغ الطول. ويطول بالحجة وإن كان في طوله قصر،

ويصول باللهجة وأن كان في حجمه حصر. ويسمن الملك به وهو نحيف، ويثقل الجيش به وهو خفيف. وبدى بياض الغرة من سواد الدهمة، ويجلو بهجة الضياء من محجة الظلمة. ويجرى بالآجال والأرزاق، والمنع والإطلاق، والخلف

<<  <   >  >>