للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقيلة العاقلة تلك العقائل. فمضت إليها مع ولدها، حسنة الظن بأهل بلدها.

فلما وصلت قاطعوها، ودافعوها عن حصونها ومانعوها. وأخلفوا ظنها وخالفوها،

حيث ما ألفوها كما ألفوها. وجنحوا وجمحوا، واجترأوا عليها واجترحوا. وعصها وأقصوها، وعددوا عليها الذنوب وأحصوها. وأفحشوها في خطأ الخطاب، وأوحشوها بالتنحي عن صوب الصواب. وسبعوها، وإلى موافقة الإسلام نسبوها.

وكلما لاينتهم خاشنوها، وكلما قاربتهم باينوها. فوجدت نبوة نوابها، وعدمت أصحاب اصحابها، وذكرتهم بحقوقها، وحذرتهم من عقوقها. ولا فغلظوا، واسترضتهم فاحفظوا، واسترعتهم العهد فما حفظوا، ونبهتهم لأمرها فما استيقظوا.

وانفصلت عنهم مخفقة، هائبة مشفقة. تخشى من ورد ولدها إلى السجن، وعودها من الاصحار إلى الدجن. ومضت إلى الحصن الآخر. فحصلت منه على صفقة الخاسر. فإنها لما ألمت بالشوبك ألمت من شوب كدرها، وأملت نفعها فعادت بضررها. ولقيت من نوابها نوائب، وفي موارد المراد منها أقذاء وشوائب، فآبت بالأمل الخائب والعمل العائب، والخوف الصادق والرجاء الكاذب.

فلما رجعت قبل السلطان عذرها، وأزال ذعرها. وأعلمها بأن ولدها محفوظ، وبالرعاية ملحوظ، وبالعناية به محظوظ، وهو في حصن السلامة إلى أن نتسلم الحصون، وإذا بذل مصونها بذلنا لك منه المصون. فسكنت إلى الوعد، وسكنت بعكاء في ظل الرفه والرفد. ثم انتقلت قبل خروجها من عكاء إلى صور، واستودعت السلطان ابنها المأسور.

وأمد السلطان (سعد الدين كمشبه) في حصار الكرك والشوبك، وبأمراء يساعدونه في الحفظ واليزك. فأقام على كل قلعة من يكفي لمحاصرتها، ويفي بمصابرتها، ويلبث في مقابلتها، ولا يعبث. بمقاتلتها فإنها تبقى على قوتها ما لم تقو من قوتها، وتدوم على طغيانها ما لم يذل عز طاغوتها. فلما رتب السلطان هذه المراتب، ورب هذه المآرب، أقام حتى وثق باستمرارها وتحقق حق استقرارها.

[ذكر ما دبره في عمارة عكاء]

اختلفت الآراء في أمر عكاء فإنها كانت مدينة متخرقة، وبيوتها متفرقة. وسورها غير معمور، ومعظمها بلا سور. ورأوا أن في إبقائها خطرا، وأن في إخلائها ضررا. فمن أصحابنا من أشار بخرابها وحفظ الحصون، وبناء قلعة القيمون. ومنهم من قال: إذا ضنيت عكاء؛ ملك البحر، وهلك الكفر. وكانت على البلاد الساحلية قفلا، وكانت بها بلاد الكفر غفلا. فمن قائل بإبقاء برج الداوية لحفظ ميناها، ومن قائل نختصرها

<<  <   >  >>