للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أدناها، ومن قائل نجدد سورها، ونحكم أمورها، ونبقيها بحالها، ونعمرها بكمالها. على أن أسوار هذه البلاد سيوفها التي هي عند الفتوح مفاتيح أقفالها. وأجالوا الفكر فيمن يجلى غوائلها، ويحلى عواطلها. ويتوحد بتدبيرها، ويتفرد بتعميرها، ويجتهد في تسويرها.

[ذكر وصول بهاء الدين قراقوش لتولي عمارة عكاء]

فقال السلطان ما أرى لكفاية الأمر المهم؛ وكف الخطب الملم، غير الشهم الماضي السهم، والمضيء الفهم، الهمام المحرب؛ النقاب المجرب؛ المهذب اللوذعي؛ المرجب الألمعي؛ الراجح الرأي؛ الناجح السعي؛ الكافي الكافل بتذليل الجوامح؛ وتعديل الجوانح؛ وهو الثبت الذي لا يتزلزل؛ والطود الذي لا يتحلحل؛ (بهاء الدين قراقوش) الذي يكفل جأشه بما لا تكفل به الجيوش.

وهو الذي أدار السور على مصر والقاهرة، وفات وفاق الفحول بآثار مساعيه الظاهرة، فنأمره أن يستنيب هناك من يستكفيه لتمام تلك العمارة، ونؤمره لهذا الأمر فهو جدير بالأمر والإمارة وكوتب بالحضور، لتولي الأمور، وعمارة

السور. فوصل متكفلا بالشغل، متحملا للثقل. منشرح الصدر بالعمل، منفسح السر والأمل. مبتهجا بالأمر، ملتهجا بالشكر.

وقد استصحب معه كل ما يفتقر إليه من أسباب العمارة وآلاتها، وأدويتها وأدواتها، وأنفارها وابقارها، ورجالها وعمالها وعمارها، ومهندسيها ومؤسسيها، وحجاريها ومعماريها. والأسارى والصناع، والنحات والقطاع. والمال الكثير للنفقة، والذهب الإبريز والرقة.

ومثل بالخدمة لسلطانية على كوكب، وحضر الموكب. وشرف بأسنى الخلع وأعطى الملبس والمركب. وفوض إليه وقلده، وأسعفه من عنده وأسعده. وقوى جانبه، وأعذب مشاربه، وأوضح مذاهبه، وأنجح مآربه. وأيد يده، وأجد جدده، وكثر مدده، ووفر عدده وعدده وخصه بعطاياه، واستخلصه لوصاياه.

فتوجه إلى عكاء وشغله متوجه، وعزمه متنبه، وسره مترفه، وفكره في رياض الهدى متنزه. وأمره ماض، وحكمه قاض، والله عنه راض. وقام بما أقيم له، ونهض بالعبء وحمله، ومشى بكفايته عمله. وشرع في التعمير والتسوير، وتسوية الأمور بحسن التدبير.

وسيأتي شرح ما جرى بعد ذلك في مكانه. وما ظهر من حسن إيالته وإحسانه.

[ذكر وصول سلطان الروم قليج أرسلان وغيره من الرسل]

لما شاع خبر السلطان باستيلائه على البلاد؛ واستعلائه في الجهاد؛ وتأرجت

<<  <   >  >>