للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بن محمد بن قرا ارسلان، وافيا موافيا بإحسان الخطبة وخطبة الإحسان. راغبا في تتميم الوصلة، آخذا لصاحبه ملك ديار بكر عهدا محكما، وعقدا من الميثاق مبرما. وقد أحضر قضاة بلاده شهودا، واقتضى لصاحبهم بحضورهم عهودا.

وكان قد خطب لصاحبه ابنة الملك العادل، ومت بكثرة الشوافع والوسائل. وكان خائفا على آمد فإنها من فتوح السلطان، ووهبها لأبيه (نور الدين بن قرا ارسلان). فأشفق من استرجاعها بالحق بعد وفاة والده، ورأى الأمن عليها وعلى جميع بلاده من أكبر مقاصده. ورغب في المصاهرة للمظاهرة وأن يفتح بها باب المزاورة للموازرة.

فآواه الملك العادل إلى ظل هذه المواشجة، وثبت بعقد المزاوجة حكم الممازجة. فتم أمنه، وعم يمنه، وزاد قربه، وزال رعبه.

وجلس السلطان، وحضر عنده الأماثل والأعيان. ووكلني وكان وكيل أخيه الغائب، في إنشاء العقد مع وكيل الزوج الراغب. فلما تم العقد بأركانه؛ اعتضد ملك ديار بكر بمكانه. وسار صاحبه بالمسار مصحوبا وعاد ذيله بالفخار

مسحوبا، وقال له قد وجدت الحزن فلا تحزن، واشتد ركنك فإلى سواه لا تركن. وما من كبير أو أمير إلا وقد وصل من أكبر أمرائه، لينتظم بعهد السلطان في زمرة أوليائه.

[ذكر رحيل السلطان صوب دمشق]

وأقمنا على كوكب إلى آخر صفر، ننتظر منها يمن كفر الظفر. ثم رأينا أنه يطول حصرها، ولا يفوت أمرها. وأن الفتح يبطئ وأن كان السهم لا يخطئ. فأمر الأمراء الموكلين بها وبغيرها من الحصون؛ في المقام عليها وابتذال سرها المصون.

ورحل السلطان نحو دمشق طاهر الشيمة، ظاهر العزيمة. سامي اللواء، هامي الأنواء، نامي الأنوار في مطالع المضاء. ودخل إليها يوم الخميس سادس شهر ربيع الأول، بالصدر الأرحب والباع الأطول. وتلقاه أهل البلد بوجوه لإقباله متهللة، وألسنة بالدعاء له مبتهلة، وعيون لأنواره مجتلية، وقلوب بولائه ممتلية، وأسماع لأمره مستمعة، وأيد إلى الله في نصره مرتفعة، وصدور بأيامه منشرحة، وآمال في إنعامه منفسحة، ونفوس على طاعة الله في طاعته كجبولة، وأعمال في رضا الله لمراضيه مبرورة مقبولة. ودخل المدينة، وأدخل إليها السكينة. فوجدت الروح بسلطانها، وعادت الروح إلى جثمانها وقرت به عيون أعيانها، وأقرت له بحسنها وإحسانها.

وابتدأ بالجلوس في دار العدل، وبحضرة القضاة والعلماء من أهل الفضل. واسترفع قصص المتظلمين، واستمع (إلى) غصص المتآلمين. وكشف الظلامات المظلمة، وفصل الحكومات المستحكمة.

<<  <   >  >>