للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقصده لإبرام ما وجده في مملكته من الأمر السحيل. وأقام عنده في الجوسق إلى الظهر، مستظهرا به على الدهر حتى كشف مهماته، ورشف شفاه مشافهاته. وانتجى معه في الآراء والآراب. وانتجع لريه من رأيه صوب الصواب، وارتجع وديعة سر الغيب ممن عنده علم من الكتاب. ثم استودعه الله وودعه، ودعا له الأجل الفاضل وشيعه.

وبات تلك الليلة مخيما بالعرادة. محتما بالسعادة، راجح السيادة، ناجح الإرادة. ثم سلك في جبل يبوس إلى عين الجر إلى الدلهمية على البقاع. وهو مطيع أمر الخالق ومتبعه والخلق تابع أمره المطاع. واتى بعلبك المحروسة، وخيم بمرج عدوسة. وأقام حتى أمر أمرها، وأدر درها وقسم لها من عدله، وعدل بها من قسمه، وحكم فيها بفضله، وافضل عليها بحكمه. وكشف الظلم والمظالم، وصرف المكاره وصرف المكارم، ورفع من المعالي المعالم، وأجرى رسوم الأجر والمراسم.

وأمر الرعاة برعاية أمر الرعية، وحكم على القضاة بالحكم في كل قضية بالجهة الشرعية المرعية. ثم رحل على سمت اللبوة، معصوم النوبة من النبوة. مصون الكتيبة من الكبة والكبوة. ثم اوجه إلى الزراعة وزرع الظفر قد توجه، وشرع النصر الصافي الشرعة من الكدر قد تنزه، وقد كحل عثير العسكر طرف الجو الأمره. وقد آن لعين الشمس الراقدة من الهبوة أن تعاود الهبة وتتنبه، وزرع بالزراعة من السمر المركوزة والبيض المهزوزة نبات الحظ وقتاد الخرط، وضاق ذلك الفضاء الواسع بحط رحال الرهط.

[ذكر وصول عماد صاحب سنجار والاجتماع به]

ووصل الخبر بأن عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي وصل جامعا من الاداني والأقاصي، ونزل طائعا على العاصي. وخيم على قدس، وخيمه قد تقدس، والدين بدنوه تأنس، والكفر بقدومه تعكس. وأنه ينتظر قدوم السلطان والاتفاق معه على قهر الشرك ونصر الإيمان. فركبنا وابن ذكاء في أسفاره، والصبح قد زحف على الليل برايات أنواره والفجر قد فجر انهار نهاره. وسرنا بصدق النزاع وقصد الاجتماع. فلقيناه قد ركب مستقبلا، وقرب مقبلا.

ولما رآه السلطان حياه، ولقيه بالكرامة وأكرم ملقاه. ونزلا فتعانقا، ثم ركبا وتوافقا

وتساوقا. وخيمنا بقرب مخيمه، وجثمنا عند مجثمه، وحططنا هناك رحالنا، وخلطنا برجاله رجالنا. وتساعد الجندان، وسعد الجدان، وجد السعدان. وانتظم الجمعان، واجتمع النظمان. واتحدت الكلم، وأنأدت الهمم.

وسأل السلطان أن يوازره ويزوره، ويحضره بحضوره حبوره، فساق معه إلى مضربه. وضافه في موكبه. وانقلب إلى قربه، وتقرب إلى قلبه وارتفع في صدره، ورفع من قدره.

<<  <   >  >>