للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويخرجون من الجامع ويقصدون دار السلطان مستغيثين؛ ثم وضعت إنسانا آخر فعل ذلك في جامع السلطان؛ فلما كانت الجمعة وصعد الخطيب المنبر قام ذلك الفقيه وشق ثوبه وألقى عمامته عن رأسه، وصاح، وتبعه ذلك النفر بالصياح والبكاء، فلم يبق في الجامع إلا من قام وبكى، وبطلت الخطبة، وسار الناس كلهم إلى دار السلطان؛ وقد فعل أولئك الذين بجامع السلطان مثلهم، فاجتمع أهل بغداد وكل من بالعسكر عند دار السلطان يبكون ويصرخون ويستغيثون، وخرج الأمر عن الضبط، وخاف السلطان في داره [٤٧] وقال: «ما الخبر؟» فقيل: «إن الناس قد ثاروا حيث لم ترسل العساكر إلى الغزاة (١)»، فقال: «أحضروا [القاضى] ابن الشهرزورى»، قال: فحضرت عنده وأنا خائف منه، إلا أننى قد عزمت على صدقه وقول الحق.

فلما دخلت قال: «يا قاضى، ما هذه الفتنة؟» فقلت: «إن الناس قد فعلوا هذا خوفا من الفتنة والشر، ولا شك أن السلطان لم يعلم كم بينه وبين العدو، وإنما بينكم نحو أسبوع، وإن أخذوا حلب انحدروا إليكم في الفرات وفى البر، وليس بينكم بلد يمنعهم عن بغداد»، وعظّمت الأمر عليه حتى كأنه ينظر إليه؛ فقال: «اردد هؤلاء العامة عنا، وخذ من العساكر ما شئت، والأمداد تلحقك». قال: «فخرجت إلى العامة ومن انضم إليهم، وعرفتهم الحال، وأمرتهم بالعود، فعادوا وتفرقوا، وانتخبت (٢) من عسكره عشرة آلاف فارس [من خيار العسكر (٣)]، وكتبت إلى الشهيد أعرفه الخبر وأنه لم يبق غير المسير، وأجدد استئذانه في ذلك، فأمرنى بتسييرهم والحث على ذلك، وعبرت بالعساكر الجانب الغربى، فبينما نحن


(١) في س (ص ٥ ب): «العراق» وهو خطأ واضح.
(٢) في الأصل: «وانتخب»، وما هنا عن س.
(٣) ما بين الحاصرتين زيادة عن س (ص ٥ ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>