للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت الحجة لله قائمة، وهمم القادرين بالقعود آئمة، وإنا لا نتمكن بمصر منه مع بعد المسافة، وانقطاع العمارة وكلال الدواب، وإذا جاورناه كانت المصلحة بادية، والمنفعة جامعة، واليد قادرة، والبلاد قريبة، والغزوة ممكنة، والميرة متسعة والخيل مستريحة. والعساكر كثيرة. والجموع متيسرة. والأوقات مساعدة.

وأصلحنا ما في الشام من عقائد معتلة. وأمور مختلة. وآراء فاسدة، وأمراء متحاسدة؛ وأطماع غالبة، وعقول غائبة؛ وحفظنا الولد القائم بعد أبيه. وكفلناه كفالة من يقضى الحقّ ويوفيه، فإنا به أولى من قوم يأكلون الدنيا باسمه، ويظهرون الوفاء بخدمه وهم عاملون بظلمه؛ والمراد الآن هو كل ما يقوى الدولة، ويؤكد الدعوة؛ ويجمع الأمة، ويحفظ الألفة، ويضمن الزلفة، ويفتح بقية البلاد. ويطبق بالاسم العباسى كل ما تخطئه العهاد - ونحن نقترح على الأحكام المعهودة، وننتظر أن يأتى الإنعام على الغايات المزيدة؛ وهو: تقليد جامع لمصر والمغرب واليمن والشام، وكل ما تشتمل عليه الولاية النورية، وكل ما يفتحه الله الدولة بسيوفنا وسيوف عساكرنا. ولمن نقيمه من أخ وولد من بعدنا، تقليدا يضمن للنعمة تخليدا.

وللدعوة تجديدا؛ مع ما ينعم به من السمات التي يقتضيها الملك، فإن الإمارة اليوم بحسن نيتنا في الخدمة تصرّف بأقلامنا. وتستفاد من تحت أعلامنا. ويتبين أن أمراء الدولة النورية يحتاج إليهم في فتح البلاد القدسية ضرورة: لأنها منازل العساكر، ومجمع الأنفار والعشائر، فمتى لم يكن عليهم يد حاكمة، وفيهم كلمة نافذة، منعهم ولاة البلاد وبغاة العناد.

وبالجملة فالشام لا ينتظم أمره بمن فيه، وفتح بيت المقدس ليس له قرن يقوم به ويكفيه؛ والفرنج، فهم يعرفون منا خصما لا يمل الشر حتى يملوا، وقرنا لا يزال يحرم السيف حتى يحلوا؛ حتى إنا لما جاورناهم في هذا الأمد القريب، وعلموا أن المصحف قد جاء بأيدينا يخاصم الصليب؛ استشعروا بفراق بلاهم. وتهادوا

<<  <  ج: ص:  >  >>