للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر فتح الرّها

كان الفرنج - لعنهم الله - قد عظم (١) شرهم بالبلاد الجزرية، وامتدت غاراتهم إلى أقاصيها وأدانيها، وبلغت إلى آمد ورأس عين ونصيبين والرقة، وكانت لهم الرّها وسروج والبيرة وغير ذلك، وكانت جميع هذه الأعمال لجوسلين، وكان صاحب رأى الفرنج والمقدم على عساكرهم؛ وكان عماد الدين يعلم أنه متى قصد حصن الرّها اجتمع بها من الفرنج من يمنعها، فيتعذر فتحها لما هى عليه من الحصانة، فاشتغل بقصد ديار بكر ليوهم الفرنج أنه غير متفرغ لقصدهم، فاطمأنوا لذلك، وفارق جوسلين (٢) الرّها، وعبر الفرات إلى بلاده الغربية - وكانت له تل باشرو وغيرها - وجاءت عيون (٣) الأمير عماد الدين إليه بذلك، فنادى في العسكر بالرحيل وأن لا يتخلف عن الرّها أحد من غد يومه، وجمع الأمراء عنده، ومدّ السماط، وقال: «لا يأكل معى على مائدتى هذه إلا من يطعن معى غدا باب الرّها»، فلم يتقدم إليه غير أمير واحد وصبى لا يعرف، لما يعلمون من إقدامه وشجاعته، وأن أحدا لا يقدر على مساواته في الحرب. فقال الأمير لذلك الصبى: «ما أنت وهذا المقام؟» فقال [عماد الدين]: «دعه، فإنى أرى والله وجها لا يتخلف عنى (٤)».


(١) كذا في الأصل، وفى س (ص ٩ ا): «عبر»، وفى (ابن الأثير، ج ١١، ص ٣٧): «عمّ».
(٢) هو جوسلين الثانى صاحب الرها في ذلك الحين، وكان على جانب كبير من الرعونة منكبا على ملذاته الخاصة، مما دفعه إلى إيثار الاقامة في تل باشر وترك الرها في حماية جماعة من الأرمن والسوريان غير القادرين على حمايتها.
(٣) كان على رأس هؤلاء العيون فضل الله بن جعفر نائب عماد الدين على حران، أنظر (حبشى: نور الدين والصليببون، ص ٣٥).
(٤) النص هنا وفيما يلى من حوادث استعادة الرها يتفق مع نص (ابن الأثير، ج ١١، ص ٣٧ وما بعدها) اتفاقا يكاد يكون تاما.

<<  <  ج: ص:  >  >>