للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان - رحمه الله - كثير الصدقات، وكان يتصدق في كل جمعة بمائة دينار أميرى [ظاهرا (١)] ويتصدق فيما عداه من الأيام سرا مع من يثق به، وركب يوما فعثرت به دابته، فكاد يسقط عنها، فاستدعى أميرا كان معه، وقال له كلاما لم يفهمه، ولم يجسر أن يستفهمه عنه، فعاد إلى بيته، وودّع أهله عازما على الهرب، فقالت زوجته: «ما ذنبك وما حملك على الهرب؟» فذكر لها الحال، فقالت له: «إن نصير الدين له بك عناية، فاذكر له قصتك، وافعل ما يأمرك به». فقال: «أخاف أن يمنعنى من الهرب وأهلك». فلم تزل به زوجته تراجعه، وتقوى عزمه إلى أن عرّف نصير الدين حاله، فضحك منه، وقال له: «خذ هذه الصرة الدنانير واحملها إليه، فهى التي أراد». فقال: «الله؛ الله (٢) في دمى ونفسى». فقال: «لا بأس عليك، فإنه ما أراد غير هذه الصرة». فحملها إليه، فحين رآه قال: «أمعك شىء»؟ قال: «نعم»، فأمره أن يتصدق [به]، فلما فرغ من الصدقة، قصد نصير الدين وشكره، وقال: «من أين علمت أنه أراد الصرة؟» فقال: «إنه يتصدق بمثل هذا القدر كل يوم، يرسل إلىّ يأخذه من الليل، وفى يومنا هذا لم يأخذه، ثم بلغنى أن دابته عثرت به حتى كاد يسقط إلى الأرض، فأرسلك إلىّ، فعلمت أنه ذكر الصدقة».

ولقد حكى من هيبته ما هو أشد من هذا: أنه خرج يوما من قلعة الجزيرة [٦٢] من باب السر خلوة وملاّحه نائم، فأيقظه بعض الجاندارية، وقال له: «إقعد». فحين رأى عماد الدين سقط إلى الأرض، فحركوه فوجدوه ميتا.


(١) ما بين الحاصرتين إضافة عن الروضتين.
(٢) ذكر لفظ الجلالة في الأصل مرة واحدة، ولكنه كرر في س (١٠٩ ب)، وفى (الروضتين، ج ١، ص ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>