للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما كان يوم الجمعة (١) من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة صعد المنبر قبل الخطيب، ودعا للخليفة الإمام المستضىء بنور الله، فلم ينكر [ذلك (٢)] أحد عليه، فلما كانت الجمعة الآتية أمر صلاح الدين بمصر والقاهرة بقطع خطبة العاضد، وإقامة الخطبة للمستضىء بنور الله، ففعلوا ذلك، فلم يتحرك مخالف لذلك ولا منكر له، وانتظم الأمر، وكوتب الخطباء في ذلك في سائر الإقليم فخطبوا؛ وكان العاضد قد اشتد مرضه، فلم يعلمه أهله وأصحابه بذلك، وقالوا: «إن سلم فهو يعلم، فلا ينبغى أن ننغص عليه هذه الأيام التي قد بقيت من أجله (٣)».

[ذكر وفاة العاضد]

ثم توفى العاضد [١٢٣] في يوم عاشوراء من السنة، وهو آخر خلفاء مصر، وانقضت مدتهم، ولكل شىء آخر، فسبحان المتفرد بالأزلية والأبدية.

وذكر ابن الأثير أنه لما شتد مرض العاضد أرسل إلى صلاح الدين يستدعيه ليوصيه، فظن أن ذلك خديعة، فلم يمض إليه، فلما توفى علم صدقه، فندم على تخلفه عنه.


(١) في س (٣١ ب): «أول جمعة». وكذلك في الروضتين.
(٢) أضيف ما بين الحاصرتين عن: (الروضتين، ج ١، ص ١٩٤).
(٣) اختلفت الآراء في أسباب موت العاضد، وهل مات قبل أن تقطع الخطبة باسمه أم بعد ذلك وقد أورد (أبو شامة: الروضتين، ج ١، ص ١٩٦) - نقلا عن ابن أبى طى - موجزا لهذه الآراء، قال: «. . . وقيل إن العاضد لما اتصل به ما فعل من قطع اسمه من الخطبة، قال: لمن خطب؟ قيل له: لم يخطب لأحد مسمى، قال: في الجمعة الأخرى يخطبون لرجل مسمى. واتفق أنه مات قبل الجمعة الثانية. قيل إنه افكر واستولى عليه الفكر والهم حتى مات. وقيل إنه لما سمع انه قطعت خطبته اهتم وقام ليدخل إلى داره فعثر وسقط، فأقام متعللا خمسة أيام ومات. وقيل إنه امتص فص خاتمه وكان تحته سم فمات. ولما اتصل موته بالملك الناصر قال: لو علمنا أنه يموت في هذه الجمعة ما غصصناه برفع اسمه من الخطبة، فحكى أن القاضى الفاضل قال للسلطان: لو علم أنكم ما ترفعون اسمه من الخطبة لم يمت، أشار إلى أن العاضد قتل نفسه. . .».

<<  <  ج: ص:  >  >>