للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأهل زبيد: «كأنكم بهؤلاء وقد حمى عليهم الحرّ فهلكوا، وما هم إلا أكلة رأس (١)»؛ فخرج إليهم بعسكره، فقاتلهم الملك المعظم ومن معه، فلم يثبت أهل زبيد وانهزموا، ووصل المصريون إلى سور زبيد فلم يجدوا من يمنعهم، فنصبوا السلالم، وصعدوا السور، فملكوا البلد عنوة، ونهبوه وأكثروا النهب، وأخذوا عبد النبى أسيرا وزوجته المدعوة بالحرة (٢)، وكانت امرأة صالحة


= فيسر على فتح الباب، وإن كنت تعلم أنى جئت لنير ذلك، فلا تفتحه، ومد يده فجذب القفل فانفتح، فدخل شمس الدولة إلى البيت، وصلى ودعا، فلما بلغ أمير مكة ذلك نزل إلى خدمته، وحمل المفاتيح واعتذر؛ وقال: خفت منك، والآن فأنا تحت طاعتك، فقال: إذا أخذت منك مفاتيح مكة فلمن أعطيها؟ ثم خلع عليه وعلى أصحابه، وطيب قلوبهم. وسار إلى اليمن، فانهزم عبد النبى بين يديه إلى زبيد، وكان أبوه المسمى بالمهدى قد فتح البلاد وقتل خلقا كثيرا، وشق بطون الحوامل، وذبح الأطفال على صدورهن؛ وكان يرى رأى القرامطة، ويظهر أنه داعية لأهل مصر، ويستتر باليمن، وكان قد مات قبل دخول شمس الدولة اليمن بسنين، وملك بعده ولده عبد النبى، ففعل باليمن ما فعله أبوه، وسبى نساءهم، واستعبدهم. وكان أبوه لما مات بنى عليه قبة عظيمة، وصفح حيطانها بالذهب الأحمر والجواهر، ظاهرا وباطنا بحيث لم يعمل في الدنيا مثلها، وجعل فيها قناديل الذهب وستور الحرير، ومنع أهل البلد من زبيد إلى حضرموت أن يجيئوا إلى الكعبة، وأمرهم بالحج إلى قبر أبيه، وكانوا يحملون إليها من الأموال في كل سنة مالا يحد ولا يحصى، ويطوفون حولها مثلما يطوفون بالكعبة، ومن لم يحمل مالا قتله، وكانوا يقصدونها من الشحر، فاجتمع فيها أموال عظيمة، وأقام عبد النبى على الظلم والفسق والفجور، وذبح الأطفال، وسفك الدماء، وسبى النساء إلى أن دخل شمس الدولة اليمن، وجاء إلى زبيد، فيقال إنه حصر عبد النبى فيها وابنه، وقيده وقتله. . .، ويقال إنه انهزم بين يديه، وجاء إلى قبة أبيه فهدمها، وأخذ ما فيها من المال والجواهر والفضة، وكان على ستمائة جمل، ونبش القبر، وأحرق عظام أبيه وذراها في الريح، ومضى إلى صنعاء، فحلف شمس الدولة: لا ينتهى عنه حتى يقتله ويحرقه كما فعل بأبيه، وسار خلفه، فرجع إلى زبيد، وعاد شمس الدولة اليها، فظفر به، فأخذ ما كان معه، وقتله وصلبه وحرقه، كما فعل بعظام أبيه».
(١) المؤلف ينقل هنا عن ابن الاثير، والنص في (ابن الاثير: الكامل، ج ١١، ص ١٤٩): «كأنكم بهؤلاء وقد حمى عليهم الحر فهلكوا إلا أكلة رام» وهو خطأ مطبعى، وما بالمتن هنا هو الصحيح، فقد جاء في (اللسان): «ويقال: ما هم إلا أكلة رأس أي هم قليل، يشبعهم رأس واحد».
(٢) في الأصل: «حرة» والتصحيح عن ابن الأثير. ويبدو أن لفظ «الحرة» كان لقبا تلقب به الأسرات الحاكمة في اليمن، فقد ظهرت بين نساء الصليحيين باليمن قبل هذا أكثر من سيدة كانت تلقب «بالحرة» أو «بالسيدة الحرة».

<<  <  ج: ص:  >  >>