للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان مولده سنة إحدى عشرة وخمسمائة، فكان عمره قريبا من ثمان وخمسين سنة.

وأما سيرته - رحمه الله - في عدله وزهده (١)، وخوفه من الله تعالى، وجهاده لعدو الدين، وصدقاته ومعروفه وإحسانه، وابتغائه لثواب الله تعالى ولدار الآخرة، فهو أشهر من أن يذكر، فإنى لا أعلم ملكا بعد الخلفاء الراشدين اجتمع فيه من الصفات الجميلة مثل ما اجتمع فيه - رحمه الله -؛ ولنذكر ما نقل إلينا من أخباره مما يستدل به على ما ذكرناه، وإن كان قد بلغ في الوضوح والشهرة إلى حد التواتر.

وأما زهده فالمشهور عنه أنه كان يأكل ولا يلبس ولا يتصرف إلا فيما يخصه من ملك كان قد اشتراه من سهمه من الغنيمة، ومن الأموال المرصدة لصالح المسلمين، يحضر الفقهاء ويستفتيهم في أخذ ما يحلّ له من ذلك، فيأخذ ما يفتونه بحله، ولا يتعداه إلى غيره، ولم يلبس حريرا ولا ذهبا ولا فضة، ومنع من شرب الخمر في جميع بلاده، ومن إدخالها إلى بلد ما، وكان يحدّ (٢) [١٥٦] شاربها الحد الشرعى، وكل الناس عنده فيه سواء.

وحدّث شخص كان رضيع الخاتون ابنة معين الدين أنر زوجة نور الدين - وكان وزيرها -، قال: «(٣) كان نور الدين إذا جاء إليها يجلس في المكان المختص به، وتقوم في خدمته لا تتقدم إليه إلا أن يأذن في أخذ ثيابه عنه، ثم تعتزل عنه إلى المكان الذى يختصّ بها، وينفرد هو، تارة يطالع رقاع أصحاب الأشغال، أو مطالعة


(١) في الأصل: «ورفده» وما هنا عن س (٤٩ ب).
(٢) س: «يجلد».
(٣) هذه الأخبار عن نور الدين وسيرته منقولة عن: (الروضتين، ص ٦ وما بعدها). انظر أيضا: (ابن الاثير: الكامل، ج ١١، ص ١٥١ - ١٥٢) و (سبط ابن الجوزى: مرآة الزمان، ج ٨، ق ١، ص ٣٠٧ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>