للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاتفق رأيهم على إنفاذ نجدة لها من رجال وسلاح وغير ذلك، فأخرجوا مائتى رجل من شجعان الفرنج وأجلادهم، فساروا في الليل مستخفين، وأقاموا النهار مكمنين، فاتفق أن رجلا من المسلمين الذين كانوا يحاصرون كوكب خرج متصيدا، فلقى رجلا من تلك النجدة، فاستغر به بتلك الأرض، فضربه ليعلمه بحاله وما الذى أقدمه إلى هناك، فأقرّ بالحال ودلّه على أصحابه، فعاد الجندى المسلم إلى صارم الدين قايماز النجمى وهو مقدم ذلك العسكر، فأعلمه بصورة الحال والفرنجى معه، فركب في طائفة من العسكر إلى الموضع الذى قد اختفى فيه الرجال، فكبسهم وأخذهم، وتتبعهم في الشعاب [٣٢٧] والكهوف، فلم ينفلت منهم أحد، وكان معهم مقدمان من فرسان الاسبتارية، فحملوا إلى السلطان وهو على صفد، فأحضرهما ليقتلهما، وكان عادته قتل من ظفر به من هذين البيتين: الداويّة، والاسبتارية لشدة عداوتهم للمسلمين وشجاعتهم (١)، فلما أمر بقتلهما قال له أحدهما:

" ما أظن ينالنا سوء وقد نظرنا إلى طلعتك المباركة ووجهك الصبيح ".

وكان - رحمه الله - كثير العفو، يؤثر فيه الاستعطاف والاعتذار، فلما سمع كلامه (٢) لم يقتلهما وأمر بهما فسجنا.

ولما فرغ السلطان من صفد سار إلى كوكب، فنزل على سطح الجبل، وجرّد العسكر، وأحدق بالقلعة، وضايقها بالكلية، بحيث اتخذ له موضعا يتجاوزه نشاب العدو، وبنى له حائطا من حجر وطين يستتر وراءه، والنشاب يتجاوزه، ولا يقف أحد على باب خيمته إلا أن يكون ملبسا، وكانت الأمطار متواترة، والوحول بحيث تمنع [الماشى والراكب] (٣) إلا بمشقة عظيمة، وعانى [السلطان] (٣)


(١) الأصل: " وعداوتهم "، والتصحيح عن (ابن الأثير: الكامل، ج ١٢، ص ٩).
(٢) الأصل: " كلامهما " والتصحيح عن س (٧٩ ب).
(٣) ما بين الحاصرتين عن (الروضتين، ج ٢، ص ١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>