للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شدايد وأهوالا من شدة الرياح وتراكم الأمطار، وكون العدو مسلطا عليهم بعلو مكانه، وجرح وقتل خلق كثير.

ولم يزل - رحمه الله - راكبا مركب الجد حتى تمكن النقب من سورها، وكان المقام قد طال عليها، وفى آخر الأمر زحف إليها دفعات متناوبة في يوم واحد، فوصل المسلمون إلى باشورة (١) القلعة، ومعهم النقابون والرماة يحمونهم بالنشاب عن يد واحدة والجروخ (٢)، فلم يقدر واحد منهم أن يخرج رأسه من أعلى السور فنقبوا الباشورة، فسقطت، وتقدموا إلى السور الأعلى، فلما رأى الفرنج ذلك طلبوا الأمان، فأمنهم، وتسلم الحصن منتصف ذى القعدة، فسيّرهم إلى صور، فاجتمع بها من شياطين الفرنج وشجعانهم كل صنديد، فاشتدت شوكتهم وحميت جمرتهم، وتابعوا الرسل إلى من بصقلية والأندلس وغيرهما يستغيثون ويستنجدون، والأمداد في كل وقت تأتيهم، وكان ذلك بتفريط السلطان في إطلاق كل من يحضره، حتى عضّ بنانه أسفا وندما حين جرى على المسلمين ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ثم ولى السلطان كوكب لصارم الدين قايماز النجمى، ونزل السلطان إلى المخيّم بالغور؛ فرحم الله السلطان الملك الناصر صلاح الدين وشكر سعيه، فما كان أشد ذبه وقيامه بنصرة الدين.

ولقد حكى عنه القاضى بهاء الدين بن شداد - رحمه الله - قال:

" حضرت مع السلطان حصار صفد ليلة، وقد [٣٢٨] عيّن مواضع خمسة مناجيق، حتى نصب الخمسة، وسلم كل منجنيق إلى قوم، ورسله تتواتر إليه يخبرونه، ويعرفهم كيف يصنعون، حتى أظلنا الصباح وقد فرغت المنجنيقات،


(١) انظر ما فات هنا ص ٨١ هامش ١
(٢) انظر ما فات هنا، ص ١٥٠ هامش ٣؛ ص ٢٤٣، هامش ٤

<<  <  ج: ص:  >  >>