للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فظن السلطان صدقه، وإنما كان ذلك مكرا ودفعا للوقت، فأجابه إلى ما سأل، واستقر بينهما الأمر أن يسلم الشقيف في جمادى الآخرة.

وأقام السلطان بمرج عيون ينتظر الميعاد، وهو قلق يفكر لقرب انقضاء الهدنة بينه وبين بيرنس (١) بيمند - صاحب أنطاكية -، فتقدم إلى الملك المظفر تقى الدين أن يسير فيمن معه من عساكره ومن يأتى من بلاد الشرق، ويكون مقابل أنطاكية لئلا يغير صاحبها على بلاد الإسلام عند انقضاء الهدنة، وكان أيضا منزعج (٢) الخاطر لما بلغه من اجتماع الفرنج في مدينة صور، وما يتصل بهم من الأمداد من البحر.

وكان السلطان لما فتح عسقلان والبيت المقدس قد أطلق ملك الفرنج، فاصطلح هو والمركيس بعد اختلاف كان بينهما، واجتمعوا في خلق لا يحصون، وخرجوا من صور إلى ظاهرها قاصدين استنقاذ البلاد التي أخذت، فكان هذا وما أشبهه يزعج السلطان، وكان يخاف أن يترك الشقيف وراء ظهره، ويتقدم إلى صور وفيها الجموع المتواترة فتنقطع عنه الميرة، فأقام منتظرا انتهاء المدة التي ضربها له أرناط، وأخذ أرناط - صاحب الشقيف - في شراء الأقوات من سوق العسكر، والسلاح وغير ذلك مما يحصن به الحصن، وهو شقيفه، والسلطان يحسن به الظن، وإذا قيل له ما هو فيه من المكرو أن قصده المطاول إلى أن يظهر الفرنج من صور، وحينئذ يبدى صفحته، ويظهر مخالفته، و [هو] لا يقبل فيه.

وأقام يتردد إلى خدمة السلطان في كل وقت. قال القاضى بهاء الدين:

" وكان يناظرنا في دينه، ونناظره في بطلانه، وكان حسن المحاورة، متأدبا في كلامه، ولما كثر عند السلطان القول فيه رأى السلطان أن يصعد إلى ظهر الجبل ليقرب من المكان، ويمنع من دخول نجدة وميرة، وأظهر أن سبب ذلك حمو الزمان والفرار من وخم المرج، فنزل أرناط وسأل أن يمهل تمام سنة،


(١) كذا في الأصل، وفى س: " الابرنس ".
(٢) الأصل: " منزع " والتصحيح عن س.

<<  <  ج: ص:  >  >>