للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما كان انتقال السلطان من منزلته صوابا، فإنه لو أقام لما تمكن العدو، لكن كان أمر الله قدرا مقدورا، وكان السبب في تأخر السلطان أنه استحضر الأمراء وأرباب المشورة (١).

قال القاضى بهاء الدين ابن شداد - رحمه الله -:

«كنت من جملتهم، فقال السلطان: «بسم الله، والحمد لله، والصلاة على رسول الله: اعلموا أن هذا عدو الله وعدونا قد نزل في بلدنا، ووطئ أرض الإسلام، وقد لاحت لوائح النصر عليهم إن شاء الله تعالى، وقد بقى [العدو] (٢) في هذا الجمع اليسير، ولابد من الاهتمام بقلعه، والله قد أوجب علينا ذلك، وأنتم تعلمون أن هذه عساكرنا ليس وراءها نجدة ننتظرها سوى الملك العادل، وهو واصل، وهذا العدو وإن بقى وطال أمره إلى أن ينفتح البحر جاءه مدد عظيم، والرأى كل الرأى عندى مناجزته، فليخبرنا كل منكم ما عنده في ذلك ".

وكان ذلك في ثالث عشر تشرين الثانى من الشهور الثمسية، وهو آخر شعبان، فانفصلت أراؤهم على أن المصلحة تأخر العسكر إلى الخروبة، وأن يبقى العسكر أياما حتى يستجم من حمل السلاح، وترجع نفوسهم إليهم، فقد أخذ منهم التعب، واستولى على نفوسهم الضجر، وتكليفهم أمرا على خلاف ما يحمله القوى لا تؤمن غائلته، والناس لهم خمسون يوما تحت السلاح وفوق الخيل، والخيل قد ضجرت من عرك اللجم، وعند أخذ حظ من الراحة ترجع نفوسها إليها، ويصل الملك العادل، ويشاركنا في الرأى [والعمل] (٣) ونستعيد من شذّ من العساكر، ونجمع الرجالة ليقفوا في مقابلة العدو ".


(١) الأصل: «الأمراء المشهورة وغيرهم»، والتصحيح عن: (ابن شداد: السيرة، ص ٩٧).
(٢) ما بين الحاصرتين عن ابن شداد.
(٣) ما بين الحاصرتين زيادة عن ابن شداد وس.

<<  <  ج: ص:  >  >>