للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصرانية الذى حكمت دولته على ممالكها وغلبت، جرت لنا معه غزوات بحرية، ومناقلات ظاهرة وسرية، ولم نخرج من مصر إلى أن وصلتنا رسله في جمعة واحدة نوبتين بكتابين، كل واحد منهما يظهر فيه خفض الجناح، والقاء السلاح، والانتقال من معاداة إلى مهاداة، ومن مفاضحة إلى مناصحة، حتى أنه أنذر بصاحب صقلية وأساطيله التي تردد ذكرها، وعساكره التي لم يخف أمرها.

ومن هؤلاء الكفار: هذا صاحب صقلية، كان حين علم بأن صاحب الشام وصاحب قسطنطينية قد اجتمعا في نوبة دمياط فغلبا وقسرا وهزما وكسرا، أراد أن يظهر قوته المستقلة، فعمّر أسطولا يستوعب فيه ماله وزمانه، فله الآن خمس سنين تكثر عدته، وتنتخب عدته، إلى أن وصل منها في السنة الخالية إلى الاسكندرية أمر رائع، وخطب هائل، ما أثقل ظهر البحر مثل حمله، ولا ملأ صدره مثل خيله ورجله، وما هو إلا إقليم بل أقاليم نقله، وجيش ما احتفل ملك قط بنظيره لولا أن الله خذله.

ومن هؤلاء الجيوش: البنادقه والبياشنة والجنوية، كل هؤلاء تارة يكونون غزاة لا تطاق ضراوة ضرهم، ولا تطفأ شرارة شرهم، وتارة يكونون سفارا يحتكمون على الإسلام في الأموال المجلوبة، وتقصر عنهم يد الأحكام المرهوبة، وما منهم إلا من هو الآن يجلب إلى بلدنا آلة قتاله وجهاده، ويتقرب إلينا باهداء طرائف أعماله وتلاده، وكلهم قد قررت معهم المواصلة، وانتظمت معهم المسالمة، على ما نريد ويكرهون، وعلى ما نؤثر وهم لا يؤثرون.

ولما قضى الله سبحانه بالوفاة النورية، وكنا في تلك السنة على نية الغزاة، والعساكر قد تجهزت، والمضارب قد برزت، ونزل الفرنج على بانياس وأشرفوا على احتيازها، ورأوها فرصة مدّ وأيد انتهازها، استصرخ بنا صاحبها، فسرنا مراحل اتصل بالعدو أمرها، وعوجل بالهدنة الدمشقية التي لولا مسيرنا ما انتظم حكمها، ثم عدنا إلى البلاد، وتوافت الينا الأخبار بما المملكة النورية

<<  <  ج: ص:  >  >>