للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت (١): وصل في اليوم الذى قتل فيه الخليفة رسول إلى السلطان مسعود من عمه السلطان سنجر شاه بن ملكشاه - صاحب خراسان - برسالة ظاهرها التقدم إليه بتعظيم الخليفة ورده إلى سرير ملكه، وباطنها التدمير عليه والراحة منه، ووردت الملاحدة صحبة الرسول، فلما قتل الخليفة أظهر [٣٥] السلطان مسعود الجزع العظيم والحزن الكثير، ودفن الخليفة بمراغة.

ووصل الخبر بذلك إلى العراق، فحزن الناس عليه حزنا عظيما وبويع بالخلافة ولده الراشد بالله ببغداد، واستقرت خلافته بها؛ ثم قدم السلطان وضرب عنق دبيس ابن مزيد صاحب الحلّة.

قال مؤيد الدين سديد الدولة بن الأنبارى: (لما قتل الخليفة المسترشد بالله أحضرنا السلطان مسعود - وكان نقيب العلويين قد مات بقلعة سرجهان، ودفن هناك - فلما حضرنا عنده، قال: «ما الرأى وما التدبير في أمر الخلافة، ومن ترون؟» فقالوا: «يا مولانا، الخلافة لولى العهد - يعنى الراشد بالله -، وقد بايعه الناس ببغداد، وجلس واستقر، وبويع له من قبل قتل أبيه بولاية العهد، وبويع له الآن بالخلافة». فقال السلطان: «ما إلى هذا سبيل، ولا أقره عليها، فإنه يحدث نفسه بالخروج مثل أبيه المسترشد، ومن حين تولى أبيه لم يترك الخروج علينا؛ كان قد خرج على أخى محمود مرتين، وعلىّ مرة، وهذه أخرى، وتم عليه ماتم، وبقيت علينا شناعة عظيمة وسبة إلى آخر الدهر، فإنه يقال: قتلوا الخليفة، وهم كانوا السبب في عود الخلافة إلى هذا البيت، ولا أريد يلى الأمر إلا رجل لا يدخل نفسه في غير أمور الدين (٢)، ولا يجند، ولا يجمع ولا يخرج علىّ


(١) هذا تعليق من المؤلف قطع به حديث ابن الانبارى، وسيعود إليه مرة ثانية.
(٢) هذا نص واضح يدل على مبلغ ما وصلت إليه مكانة الخليفة العباسى في ذلك العهد السلجوقى أن «لا يدخل نفسه في غير أمر الدين».

<<  <  ج: ص:  >  >>