للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعلم أحدا من خشداشيته (١) لثقته بتمكن حرمته. وطلع القلعة آمنا ولم يدر بما كان له كامنا.

فلما وصل الى باب القلعة منع مماليكه من الدخول معه، ووثب عليه المماليك المعزّية فأذاقوه كأس المنية وسبب ذلك أنّه قد طلب من المعز القلعة ليسكن بها زوجته الجديدة بنت صاحب حماة. وكان قتله يوم الاثنين (٢) حادي عشرين شعبان. وأمر المعز بغلق باب القلعة، فركبت مماليكه وحاشيته وكانوا سبعمائة فارس ومعهم جماعة من البحرية وقصدوا قلعة الجبل بناء على أنّ المعز قبض عليه، فبينما هم كذلك أرمي لهم برأسه من فوق السور فالتفت بعضهم الى بعض (٩٧ أ) وقالوا على من تقاتلوا فتفرقوا جميعهم.

وفيها لما شاع الخبر بقتله، أجمعوا (٣) البحرية على الخروج الى الشام. وكان من أعيانهم يومئذ ركن الدين بيبرس البندقداري، وقلاون الألفي، وسنقر الأشقر، وبيسري، وسكز وبرامق (٤)، فشمروا ويلا وخرجوا ليلا فوجدوا باب المدينة الذي قصدوا الخروج منه مغلقا، فأضرموا فيه النار، وهو الباب المعروف بباب القراطين فأحرقوه، وخرجوا منه نحو الشام، فسمي من يومئذ الباب المحروق (٥) وقصدوا (٦) البحرية الملك الناصر صاحب الشام ليكونوا عنده (٧). ولما أصبح المعز، بلغه هروبهم من المدينة فأمر بالحوطة على أملاكهم وأموالهم ونسوانهم وغلمانهم وأتباعهم. واستصفيت أموالهم وذخائرهم وشونهم وخزائنهم، واستتر من تأخر منهم. وحمل من موجود الأمير فارس اقطاي الجمل المستكثرة من الأموال. ونودي (٨) على البحرية في الأسواق والشوارع. وتمكن الملك المعز من المملكة وارتجع ثغر الاسكندرية الى الخاص السلطاني، وأبطل ما قرره من الجبايات، وأعفى (٩) الرعية من المصادرات والمطالبات. وأما البحرية فإنهم وفدوا على الملك الناصر، فأحسن اليهم، وأقبل عليهم وأعطى كلا منهم إقطاعا يلائمه، ثم عزم على قصد الديار المصرية، فجرد عسكرا صحبة


(١) خشداش: هو معرب من اللفظ الفارسي «خواجاتاش» أي الزميل في الخدمة. والخشداشية في إصطلاح عصر المماليك بمصر هم الأمراء الذين نشأوا مماليك عند سيد واحد فقامت بينهم رابطة الزمالة القديمة. أنظر السلوك ج ١ ق ٢، ص ٣٨٩.
(٢) يوم الأربعاء ثالث شعبان في السلوك ج ١ ق ٢، ص ٣٨٩.
(٣) كذا في الأصل والصواب أجمع.
(٤) ضبطت هذه الأعلام من السلوك ج ١ ق ٢، ص ٣٩٠.
(٥) هو باب القاهرة الشرقي، المصدر السابق ص ٣٩١.
(٦) كذا في الأصل والصواب وقصد.
(٧) في المصدر السابق أن هؤلاء المماليك تفرقوا في البلاد فمنهم من قصد الملك الناصر بدمشق ومنهم من قصد الملك المغيث بالكرك ومنهم من أقام ببلاد الغور والبلقاء والكرك والشوبك يقطع الطريق ويأكل بقائم سيفه.
(٨) ونودي بالقاهرة ومصر بتهديد من أخفى أحدا من البحرية، السلوك ج ١ ق ٢، ص ٣٩١.
(٩) وخفف بعض ما أحدث من المصادرات والجبايات، في المصدر السابق ص ٣٩٢.

<<  <   >  >>