للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وصول الأمير ابن مهنّا إلى مصر]

وفي يوم الإثنين رابع ربيع الأول سنة سبع عشرة وسبع ماية وصل الأمير محمد بن عيسى بن مهنّا إلى مصر المحروسة، وحضر بين يدي مولانا السلطان الملك الناصر، خلّد الله ملكه.

[[واقعة السيل ببعلبك]]

ولما كان بتاريخ يوم الثلاثاء سابع عشر شهر صفر سنة سبع عشر (١) وسبع ماية، بين الظهر والعصر، أرسل الله تعالى سحابة عظيمة ذات رعد وبرق ومطر وودق، فسالت منها الأودية شرقيّ بعلبكّ المحروسة، وحملت كلّ ما مرّت عليه من أشجار العنب وغيره، فانفرقت على البلد فرقتين، فرقة في الناحية الشرقية بقبلة، وسالت حتى انتهت إلى مجرى النهر، وبحّرت بحيرة (٢) عظيمة على السور، حتى كادت تبلغ شرافاته (٣) ارتفاعا، وزادت وتزايدت حتى لطف الله عزّ وجلّ، وثبت السور، فتصرّف مع جريان الماء في النهر، ولم يحصل بحمد الله تعالى بسببها كبير أمر ولا فساد.

والفرقة الثانية ركبت البلد من باب دمشق إلى باب نحلة (٤) شرقيّ البلد، وانزجرت هناك على السور، فلما اجتمعت وثقلت خرقت من السور ما مساحته في الطول أربعين (٥) ذراعا، مع أنّه محكم البنيان. وحصل لما يليه التصدّع، مع أنّ سمكه نحو خمسة أذرع، فأخذت برجا على التمام والكمال، وبعض بدنة عن الشمال.

وهذا البرج ذرعه من كلّ جانب خمسة عشر ذراعا، فحمله الماء وهو على حلّه (٦) لم ينتقض حتى مرّ على فسحة عظيمة نحو خمس ماية ذراع من الأرض.

وأخذ السيل في البلد إلى جهة الغرب جاريا، فما مرّ على شيء في طريقه إلاّ جعله خاويا، ولا على شاخص من البناء وغيره إلاّ جعله للأرض مساويا، فخرّب المساكن، وأذهب الأموال، وغرّق الرجال والحريم والأطفال، وأثكل الأمّهات والآباء.

ثم لم يزل حتى دخل الجامع الأعظم والمدرسة التي تليه، وانزجر بها حتى كادت تبلغ رؤوس (٧) العمد في بنائه، فأتلف فيهما من المصاحف والرّبعات والكتب، وشعّث فيها وخرّب وغرّق، وانفجر من الجدار الغربي بالجامع فهدمه، وأخذ ما عليه من البنيان. وهذا كلّه مشاهد بالعيان، حتى بلغ خندق القلعة المنصورة، وخرق من


(١) الصواب: «سبع عشرة».
(٢) في الأصل: «نحيرة».
(٣) الصواب: «شرفاته».
(٤) نحلة: قرية بالقرب من بعلبك.
(٥) الصواب: «أربعون».
(٦) هكذا. والصواب: «وهو على حاله».
(٧) في الأصل: «روس».

<<  <   >  >>