للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان هناك مرض إذن يشمل العرب، حيث تطوروا إلى اقتصاد حضري، يعني افتراض مرض، وهو مرض العصر أيامها، وأن البدو قد أصابهم التطور، والنظر الفاحص يضحك الثكلى من هذا الكلام، العرب أصابهم التطور إلى اقتصاد حضري قبل مجيء الإسلام فدخلوا في الإسلام، وأن التطور قد شمل هؤلاء البدو مع أنهم لا يزالون بدوًا إلى وقت "وات" هذا، إلا أن يكون قد أصابهم التدهور بعد دخولهم الإسلام فعادوا بدوًا كما كانوا، في أي المصادر ذكر هذا الوباء العصري قبل مجيء "وات" لقد اخترع على أسلوب وأمراض القرن العشرين هذه المسميات لواقع لم يره، بل قد ألفه تأليفًا، وإلا ما هذه البروليتاريا التي يسم بها أصحاب العقبة الأولى الذين آمنوا بمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ونشروا الإسلام في المدينة، أين ما كان يطلب هؤلاء "البلاشفة" البروليتاريا (أقصد هداة الإسلام وحملة مشاعل الهداية)؟، إنهم على خلاف ما يذكر حملوا أنفسهم وأموالهم على أكفهم يبذلون كل شيء في سبيل هذا الدين، وهؤلاء الكثر الذين جاءوا المدينة طمعًا في الغنيمة، تركوا أولادهم وأزواجهم وأموالهم وأوطانهم، ومنهم من حمل ماله معه، خلفوا ذلك كله وراء ظهورهم في مجتمع العزوة فيه والبأس والمنعة لتلك العوامل، أين الطمع في ذهابهم إلى مجتمع لا يجدون فيه ما يأكلونه ليقيم أودهم، ولم يكونوا يعلمون على مذهبك العلماني أو غيره، أن هناك غزوة تسمى "بدرًا" سيحصلون فيها شيئًا من متاع الدنيا، حتى ولو علموا فقد كان مرادهم وتشوفهم إلى اليوم وغد وإلى يوم القيامة أن يحصلوا إحدى الحسنيين النصر لدين الله والتمكين له، أو الموت دونه، وقد علم القاصي والداني حبهم للشهادة والمسابقة إلى الموت مما أدهش معه المستشرقين بله العالمين.

وإذا كان لنا أن نضرب مثلاً فهذا (مصعب بن عمير) (١) أنهد شباب مكة هاجر إلى المدينة تاركًا ذلك الغنى، وتلك الرفاهية، ومات شهيدًا في أحد لم يجدوا ما يكفنونه به،


(١) الإستيعاب (١/ ٤٦٣)، سير أعلام النبلاء (١/ ١٤٦).

<<  <   >  >>