للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعلم أو ينقل عنهم مثل ذلك اللبيدو الذي يدعيه "وات" في القرن العشرين، وقد بينت الآية أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أوحي إليه كما أوحي إليهما أيضًا فما الفارق إذن؟

خامسًا: أن الله تعالى لم يمن على رسوله بالوحي، وأنه أرسل إليه رسولاً وأنه اصطفاه لذلك إلا لأنه أوحى له بذلك حقًا، وأنه سبحانه ما يقول هذا القول إذا كان هذا الوحي المعظم النازل إليه إنما هو من نفسه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستدعيه بالوعي واللاوعي كيف يليق ذلك بالله تعالى مع أنبيائه؟!

ونسرد فقط عددًا من الآيات تدل على المطلوب، فعلى سبيل المثال يقول المولى سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤] وسنعود إلى هذه الآية بالذات في قصة الغرانيق إن شاء الله تعالى، وقوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف: ١٠٩] وقوله: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} وقوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأحقاف: ٩] وقوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: ١٦ - ١٨] (١) وهي آيات مكية يخاطب بها أهل مكة، وأنه لا يتبع إلا الوحي، وأنه منذر مبلغ للعالمين ليس له من أمر الوحي شيء، ولا من أمر نفسه ولا غيره شيء.

ونبدا بذكر ما نزل من الوحى في أول البعثة نبين به سيرة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دعوته وأهداف الدعوة من أول أيامها، والسيرة التى ينبغى أن يسلكها الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليصل أو ليحقق تلك الاهداف بما ينير الطريق لاتباعهم لالتزام تلك السيرة في دينهم، وكان أول ما نزل قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)}.


(١) وانظر لما سبق: عبد الله النعيم، "الاستشراق في السيرة النبوية" (٧٤ - ٧٥).

<<  <   >  >>