للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متوجهين شرقاً وغرباً، وما انتكست تلك الحضارة إلا بالبعد عن تعاليم الإسلام الصحيحة (١).

وبذلك يظهر الفارق الضخم، بين هذا الدستور والدساتير الأخرى، من حيث إنه يعتمد في تطبيقه على الجانب الدينى، المتعلق بالإيمان بالله وباليوم الآخر، ليؤكد تلك الأسس الإلهية، في الوازع الحامل للناس على الانقياد لتلك القوانين.

إن تحليلاً سريعاً لبنود الوثيقة يظهر لنا:

- أنها بين المسلمين المؤمنين، من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، فكان أن بينت - من أول بند - أنها اتفاق شامل لكل مسلم في كل مكان، مما يدل على أن المسلم حيث كان، مرتبط بذلك الكيان الواحد، «فإنهم أمة من دون الناس»، مما يؤكد على رباط العقيدة، فوجهتهم وولاؤهم، لله تعالى ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليس للقبيلة ولا للدم، فاتحدت قبلتهم مع شعورهم وأفكارهم؛ وإن احتكامهم كذلك للشرع، وليس لعرف أو تقليد، لا يقرهما الشرع، وكان ذلك يستهدف اعتزازهم بذاتهم، حتى نهاهم أن يتشبهوا بغيرهم، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من تشبه بقوم فهو منهم» (٢)، مميزاً لهم عن غيرهم تميزاً واستعلاء، لا يشكل حاجزاً بينهم وبين غيرهم، ليدخلوا في الإسلام.

- ومع ذلك ذكرت بنود في الوثيقة عشائر الأنصار، ولم تذكرهم ليكون الولاء لغير الله تعالى، - للقبيلة - وإنما بينت بغير لبس أسباب ذلك، في تدرج نظام التكافل من ناحية، والتنظيمات الإدارية من ناحية أخرى، ففى نظام التكافل، بَيَّنَتْ حقوق وواجبات العشيرة الواحدة، من التضامن في إعانة المحتاجين، وفكاك الأسرى، وتحمل الديات، وغيرها، مما


(١) انظر لما سبق د. البوطي، فقه السيرة، ص ١٦١.
(٢) رواه أحمد (٤٨٦٨)، وأبو داود (٣٥١٢).

<<  <   >  >>