للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَاتَبَيَّنَ} [الأنفال: ٦]، كأنه لوم لهم على المجادلة في هذا الخروج للنفير وترك العير والمتفحص يجد سبب اللوم أن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أخبرهم بوعد الله لهم بالعير أو بالنصر على النفير فها قد مضت العير وأفلتت وجاء النفير، فهذا الحق بين بذاته إذا سواء شعر به كلهم أو بعضهم بأنهم منتصرون لا محالة؛ بحيث لا ينبغى الاختلاف فيه، فقد كانوا عرباً أذكياء، وكانوا مؤمنين أصفياء، ورأوا كراهة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما اختاروا العير، فكان ذلك كافياً في اليقين بأنهم إذا لقوا المشركين ينتصرون عليهم بلا أدنى ريب.

ولم يترك القرآن الكريم تصوير حالهم، وهم سائرون إلى القتال بغير أهبة يظنونه الموت الذى تتخيله النفوس ببشاعة وكرب فتكرهه فشبه حالهم في قوله: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} [الأنفال: ٦]، بحال من يجادل ويمانع من يسوقه إلى الموت: {وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الأنفال: ٦]، أي إلى الموت المساقين إليه، لأن حالة الخوف من الشيء المسوق إليه تكون أشد عندما يكون منظوراً فما الظن بالموت. (١)

ويأتى الأن مكان الاشارة التى أرجأناها، وهي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤]، فبعد أن انتهت المعركة، وتبين لهم الحق على أرض الواقع وانتصروا، جاء خطاب الله لهم بأنه ما دعاهم للموت حين دعاهم للخروج بل دعاهم للعكس دعاهم لما فيه حياتهم في الأولى والآخرة، إذ من طبيعة الاستجابة لله تعالى، ولرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعاقبتها الحياةُ الحسنى، وإن استشهدوا فيها فقد حصلوا أحدى الحسنيين أو أجلهما وأعظمهما: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)} [آل عمران: ١٦٩]، وليكن شعارهم بعد أن رأوا النتيجة رأى العين هو الحياة في الاستجابة لله ولرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنها دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة الحقة، وبكل معانى الحياة


(١) انظر أبا السعود، إرشاد العقل السليم (٢/ ٣٤٤)، الالوسى، روح المعانى (٦/ ٢٤٨)، الطاهر بن عاشور (٩/ ٢٥٧ - ٢٥٨).

<<  <   >  >>