للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا كله قد اجتمع للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الدارين، في الأولى والآخرة يقول الإمام الألوسي: واختلفوا في معنى الصلاة من الله تعالى وملائكته عليهم السلام على نبيه على أقوال، فقيل: هي منه - عز وجل - ثناؤه عليه عند ملائكته وتعظيمه، ورواه البخاري عن أبي العالية وغيره عن الربيع بن أنس، وجرى عليه الحليمي في شعب الإيمان، وتعظيمه إياه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دينه، وإبقاء العمل بشريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وإجزال أجره ومثوبته، وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كافة المقربين الشهود، وتفسيرها بذلك لا ينافي عطف غيره عليه كالآل والأصحاب عليه؟ لأن تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به. (١)

والمعنى الثاني لصلاة الله تعالى على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الرحمة كما ذهب إليه جمع من أهل العلم (٢)، وبتدقيق النظر في هذا الاختيار الأول وجدناه الأصوب حيث رأينا بالفعل فروقًا كثيرة بين الصلاة والرحمة - كما ذهب إلى ذلك جمع من المحققين - مما يشي بتقوية القول الأول، وحسن دليله ورجحانه، ونذكر بعض الأدلة على أن الصلاة ليست الرحمة فمنها:

الأول: أن الله تعالى فرق بين الصلاة والرحمة كما في قوله - سبحانه وتعالى -: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)} [البقرة: ١٥٧] حيث عطف الرحمة على الصلاة، فاقتضى ذلك تغايرهما، وهذا أصل العطف.


(١) الألوسي "روح المعاني" (١٠٩/ ٢٢).
(٢) السابق، وقد ذكر الإمام ابن القيم أنه قد ذهب إلى هذا القول الضحاك والمبرد وهو القول المعروف عند كثير من المتأخرين، وأضاف الألوسي ابن الأعرابي، وهو اختيار الماوردي.

<<  <   >  >>