للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمناء، أي شيخ بلدية العاصمة الجزائرية. ثم اعتزم الهجرة مع والده إلى تونس عندما اشتد الاضطهاد الإفرنسي بمدينة الجزائر. واستقر حينا ببلاد الجرجرة الأبية. وكان ذلك سنة ١٨٧٠. ووقعت الثورة الكبرى التي تولى كبرها المجاهدان المقراني وابن الحداد، فشاركا فيها إلى أن انهارت. وتعارفا يومئذ مع جدي للأم - الصالح الشيخ عمر بويراز، الذي كان بدوره قاصدا مدينة تونس، مهاجرا مع أخيه عبد الرحمن، واشترك هو وأخوه في أعمال الثورة، ثم انتقل الجميع بعد ذلك إلى تونس في قافلة واحدة).

ويتحدث الشيخ المدني عن طفولته: (هل كنت حقا صبيا؟ إنني لفي شك من ذلك مريب؟ لقد كانت الحياة في منزل فخم، جمع الأب والأم والابن، حياة ناعمة سعيدة، لا يؤرقني فيها إلا ما كنت أصغي إليه من حديث الأب والجد والخال عندما يزوروننا، ليتبادلوا أحاديث السمر، وليجتروا ذكر فظائع الاحتلال الإفرنسي، وذكر استحواذ الإفرنسيين على سلطة ونفوذ في البلاد التونسية - اعتبارا من سنة ١٨٨١ - ... وكنا قبل العشاء نحيط بجدي - عمر بويراز - ونتحلق حوله رجالا ونساء وصبيانا، فيلقى علينا كل ليل درسا في الدين والأخلاق، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يعرج - كل يوم - على ذكر الاحتلال الإفرنسي بالجزائر ومآسيه وفظائعه ومذابحه وقذارته، إلى أن يستقر شعورنا، وإلى أن تسيل دموعنا، ويقول لنا كلمة لم نكن نفهمها يومئذ وفهمناها فيما بعد: (إن هذه الدموع هي خميرة المستقبل). ثم نصلي العشاء جماعة، وهو يؤمنا. ونتركه بعد ذلك لتهجده وأذكاره. ونسير جمعا إلى غرفة خالي - محمد بويراز. فيأخذ في الحديث الثائر المهيج

<<  <  ج: ص:  >  >>