للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الذات. وكان ذلك يعني أن الأمور تسير - في الجهة الأخرى - على خير ما يرام. وانطلقت (حليمة) لتعلمنا بأن جميع الفدائيين قد غادروا مراكزهم، واتجهوا لتنفيذ واجباتهم المحددة لهم. وتابعت

حديثها في ذكر تفاصيل لم تكن تهمني، إذ لم تكن بي رغبة لا للحديث ولا للاصغاء. فابتلعت ما تبقى من الحليب في الكوب، وخرجت من المنزل متعجلا، تاركا فيه الحرية للفتاتين حتى تتبادلا الحديث كما تشاءان مضيت متسكعا في الأزقة والطرقات، مستلما إلى حيث تقودني قدماي. كانت (مرسيليا) تذكرني في بعض أماكنها ببلدتي (عنابة). وفكرت بأمر هذه المدينة التي يجب لها أن تنام نوما قلقا، مضطربا. فهناك تبدأ الليالي مبكرة، وتنتهي متأخرة. ثم إن الليالي وفترات النهار تتعاقب هناك مختلطة بعضها ببعض بسبب ما يعانيه أهل المدينة (عنابة) من الضغوط والإرهاب والظلم. هناك يوجد أناس أيضا، ولكن لا توجد حياة.

...

الناس هنا، من حولي، يعيشون في يسر، من غير قلق ولا هموم أو مخاوف. وشعرت بالغيرة وأحاسيس العنف تجتاحني: فلتحترق (موريبيان، وبير، وبوردو، وليون، وبيربينيان، وتولوز) إنها ليست أفضل أبدا من عشرات القرى التي أحرقتها قنابل النابالم وأزالتها من عالم الوجود. ولتدمر (مرسيليا)! إنها لا تساوي أبدا حياة مئات الآلاف من ضحايا الاستعمار الفرنسي. وهذه الحرية التي تزيل كل الهموم والمخاوف، هذه الحرية التي تغلف حياة الآخرين وتحيط بها، هي الحرية التي حرم منها الشعب

<<  <  ج: ص:  >  >>