للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا المركز، الذين أكدوا لي بأني لو تجولت في المنطقة بتلك الألوان لكنت هدفا صالحا للفرنسيين، ولوجدوا في ذلك حجة لاتهامنا. ووردت المعلومات قائلة أن الجبهة لم تكن (هادئة)، وأنه من الخطر اجتيازها ذلك المساء .. وفي صبيحة الغد، غادرنا القرية تحت حراسة عدد من الجنود بقيادة (النقيب سالم). وقد خلفنا وراءنا هذه الحرارة القاتلة، وركبنا ظهر مركبة نقل صغيرة -كميون - متجهين نحو الغرب. وبعد الظهيرة، بينما كانت السيارة تتوغل بنا وراء الحدود، طاردتنا طائرة استطلاع فرنسية، لم يكن باستطاعتها مهاجمتنا ما دمنا داخل الحدود التونسية، وكانت الطائرة تنتظر، بوضوح، فرصة مغادرتنا الأراضي التونسية، وتوغلنا عبر الجبال والوهاد المشجرة حتى تمطرنا بوابل من نيرانها. وكانت تلك المطاردة عبارة عن حرب إنهاك خسرتها الطائرة التي لا بد أنها غادرت إلى قاعدتها. وعندما غادرنا السيارة، وتوغلنا في الأرض الجزائرية، استقبلنا، في إحدى الغابات، ملازم قادنا على طول طريق يسير فوق سفح الجبل نحو الروابي الجزائرية العالية التي ترتفع حتى ألف متر. وهذه المنطقة التي تصفها التقارير الفرنسية بكل فخر أنها مناطق هادئة - أي أنها مطهرة من الثوار- ما هي في الواقع إلا منطقة خاضعة لجيش التحرير الوطني، حتى أن القوات الفرنسية لا تجرؤ على المخاطرة بالتوغل فيها إن لم يساندها الطيران وتدعمها المدفعية والقوات المدرعة!

وهكذا اجتزنا الحدود التي كانت على زعم الفرنسيين، قلعة (ومقفلة). وفي ساعة متأخرة من المساء بلغنا الأكواخ المغطاة بأوراق الأشجار، وهناك كانت مكبرات الصوت ترسل موسيقى عربية تمتزج بدوي المدافع وراء الجبال. وفجأة، بدد ظلام الليل

<<  <  ج: ص:  >  >>