للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجريدهم من مصدر هذه القوة الجبارة. وهذا اللباس السحري هو في حرمانهم من الأرض التي كيفت شخصيتهم وأبرزتها إلى الوجود كشحنات من الطاقات الثورية الرهيبة. وصار العقاب الذي يسلط على القبائل الثائرة من بعد ذلك، هو انتزاع أرض هذه القبائل وطردهم منها، فمثلا فرضت على القبائل التي قامت بثورة سنة (١٨٧١) غرامة قدرها (٣٦) مليونا من الفرنكات مع تجريدهم من أملاكهم التي قدرها المؤرخون الفرنسيون بنصف مليون هكتار (والهكتار يساوي فدانين ونصف الفدان في الجزائر).

لجأ القادة الفرنسيون أيضا إلى إغراء المجندين في جيش الاحتلال، بمنح كل جندي أو ضابط حصته من أرض القرية المقهورة. وهكذا صارت أرض القرية تقتطع للضباط الذين يخمدون ثورتها، ويجلون أهلها عن ترابها. أما السكان، فكانوا يطردون إلى المناطق النائية عن العمران. وفي ذلك قال أحد الضباط الفرنسيين: (أما وقد عجزنا عن إخضاع الجزائريين، فلنقذف بهم بعيدا كالوحوش الضارية التي تطرد من الأماكن المأهولة. علينا أن ندفع بهم أمامنا مع تقدم العمران حتى نرميهم في الصحراء. ونبقيهم هناك إلى الأبد).

انتشرت على أثر ذلك المضاربة بأراضي القبائل السليبة، لا سيما بين الضباط الفرنسيين. قالت زوجة الجنرال (برو) في خطاب أرسلته إلى أحد أصدقائها سنة ١٨٣٤ ما يلي: (تسألني أيها الصديق عما وصلت إليه أعمال الاستعمار هنا، والحق أنها اقتصرت حتى الآن على الاستيلاء والمضاربة بالممتلكات. الناس يضاربون على الأراضي كما يضاربون في الأسواق على النبيذ واللبن. وقد تدهش إذا قلت لك أن أراضي - بليدة - قد بيعت إلى آلاف من الأفراد قبل

<<  <  ج: ص:  >  >>