للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقدامهم من التهاب حاد، وارتفاع مرعب في درجة الحرارة. وهناك حروق في الأعضاء الحساسة من الجسم لا ضرورة هنا لوصفها أو التعرض لها. هذا علاوة على تلك الندب الصغيرة التي تظهر على البطن أو على بقية أجزاء الجسم ...

كانت هذه الساحة الجنيدة تشهد العجاب والغرائب، ومنها مجنون كان يروح جيئة وذهابا طوال النهار. فهل كان مجنونا قبل اعتقاله؟ أم أن التعذيب قد أسلمه إلى الجنون؟ أم أنه يتظاهر بالجنون؟ لقد اعتبرته - من وجهة نظري - أنه إنسان شاذ وغير طبيعي: ونظراته لا تخدع أحدا. كان يمرح في كل مكان من المعسكر بكامل حريته، ذاهبا وعائدا ما بين طرفي الساحة وهو يقوم بحركات كثيرة، ويقلد حركات الملاكمين على أفضل وجه، وكان في الساعة السابعة من مساء كل يوم، يجول حول المعسكر وهو يركض - رملا - تحت أنظار المظليين الذين كانوا يشجعونه ويستثيرون حماسته، فيما كان بقية المشاهدين يروحون عن أنفسهم بمتابعته والتعليق على حركاته. وكنا نتعذب كثيرا في بداية الأمر لرؤية هذه النفس التائهة، المريضة، وقد خضعت، وهي مجردة من كل دفاع، لهؤلاء الجلادين الذين يقومون على حراستنا. ثم لم نلبث أن تعودنا على ذلك، فكان يدخل إلى مهجعنا كالريح العاصفة، فيجلس للحظة بيننا، يتحدث إلى نفسه بصوت منخفض أشبه بالدمدمة. ونقدم له الطعام ونحن خائفات وجلات تقريبا، ثم يخرج متعجلا نحو عالمه الخاص به.

...

كال طبيب المعسكر من وحدات المظليين، طويل القامة، نحيل البنية، جاف الطباع، يتحدث بقوة وبلهجة أهل (بريتانيا).

<<  <  ج: ص:  >  >>