للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفاق المعسكر ذات صباح وقد اجتاحه نبأ مفاده (أنه سيتم إطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين). فكان كل واحد يأمل بأن يكون اسمه في عداد من سيتم إطلاق سراحهم. وكان جرس الهاتف يرن باستمرار، وبعثت حياة جديدة في المعسكر. وأعلن عن أسماء الذين سيخلى سبيلهم، فكانوا مائة تقريبا، تم جمعهم من كافة المهاجع، وحشروا بعد ذلك في مهجع واحد، حيث بدأ الرقيب بفحص جراحاتهم، والبائس، عاثر الحظ، هو ذلك الذي لا زالت آثار التعذيب باقية واضحة على جسده، إذ كان لزاما عليه البقاء في المعتقل حتى تشفى جراحه شفاء تاما. ثم جاء (النقيب بوتوت) فدخل إلى المهجع، وألقى عليهم محاضرة مستفيضة انتهت بالهتاف الذي ردده المعتقلون مع النقيب (تحيا فرنسا، تحيا الجزائر!). وكان لزاما عليهم أيضا أن يهتفوا - في سرهم - (عاش التعذيب!). وفي مثل هذه اللحظة، فقدت الكلمات معانيها ومضامينها، وأخذ الذين أطلق سراحهم بالخروج، ومعانقة أولئك الذين بقوا رهن الاعتقال. وكان بعضهم يذكر هؤلاء الذين سيتجاوزون بعد برهة الباب الحديدي، فيقول لهم: (لا تنسوا العنوان) و (اذهب لزيارة ابنتي وتطمينها عني) وكنا - نحن النسوة - نصرخ من وراء القضبان: (أيها الأخوة! أيها الأخوة! لا تنسوا أبدا، لا تنسوا أبدا. ما فعله هؤلاء بنا). فكانوا يجيبون بتأثر واضح، وبصوت مخنوق: عما قريب، عما قريب، سيجيء دوركم بإذن الله.

...

مضى شهر على ذلك تقريبا عندما تجمع المظليون الذين كانوا بقيادة (العقيد بيجارد) ومضوا لتنفيذ عملياتهم في الجنوب، وشعرنا في المعسكر بارتياح لذهابهم، إذ فكرنا ونحن نراهم يخرجون:

<<  <  ج: ص:  >  >>