للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسير على نهجه وخطاه. وكانت وطنيته الصادقة أبرز صفة امتاز بها عن أقرانه. ولم يكن ذلك غريبا عليه، فقد بقيت أمه هي قدوته في حب الوطن، وهي مثله الأعلى في التضحية والفداء. وكان نشاطها الدائم وحيويتها المتدفقة موجهة كلها لوطنها ولابنها، واستطاعت بذلك، وبفضل ما تتمع به من سمعة طيبة، أن تؤثر تأثيرا عميقا فيمن حولها من النساء، حتى تحولن كلهن إلى مجاهدات، عندما دقت ساعة الجهاد، ولقد عرفت السلطات الاستعمارية قوة هذه العقبة في التأثير على مخططاتها الاستعمارية. وكانت ذكرى (لالا عائشة) وأمثالها من المجاهدات عالقة في أذهان هؤلاء الاستعماريين، فمضوا الى اضطهاد الأم وابنها معا، وطالما تجرعت الأم وابنها بنتيجة ذلك مرارة الظلم الاستعماري، من إهانة وضرب وحرمان من كل ضرورات الحياة، وسجن الابن مرات عديدة، غير أن ذلك لم يزدهما إلا إيمانا بحقهما في العيش الكريم على أرض الأجداد، ولم يزدهما إلا نفورا من الاستعماري وغضبا على أساليبه في التنكيل والتعذيب. ولما بلغت الحياة درجة لا تطاق، وبات من المحال على الابن ان يتحرك لكسب عيشه وسدت كل السبل في وجهه، قرر السفر إلى فرنسا، ليبتعد عن مراقبة الطغاة الوحشية في بلده، وليضع في زحام المدينة الصاخبة (باريس).

...

انصرف الشاب (محمد) إلى العمل في أحد معامل العاصمة الفرنسية، ونقل معه جذوة الثورة المتقدة ليشعلها في قلوب العمال الجزائريين من إخوانه الذين ضاقت بهم الدنيا في بلادهم، مثله، فجاؤوا يبحثون عن الحياة في بلاد أعدائهم. واستمر في عمله الشاق مدة عامين، يقتطع من قوت يومه ليرسل إلى أمه ما يتوافر له من

<<  <  ج: ص:  >  >>