للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شفة. ولقد حاول بعض الذين بقوا مع عبد القادر معرفة نواياه وسبر أغوار نفسه. فأظهر لهم التجلد، وحاول التخفيف عن المنزعجين، ورفع الروح المعنوية للمنهارين. وعندما تقدمت منه أمه بحنان الأمومة وعطفها لتبث في أذنه همسات الصبر والعزاء، أجابها بهدوء وهو يمسك يدها بكلتي يديه: (إن النساء يا أماه هن الحريات بالشفقة، وليس الرجال).

دخل (كلوزول) مدينة معسكر يوم ٦ كانون الأول - ديسمبر - ١٨٣٥، ولم يبق بها سوى نفر من اليهود. لقد خرجوا من كهوفهم ليركعوا عند أقدام المنتصرين الإفرنسيين واشمأز المسلمون من السماح لهم بمصاحبتهم عند رحيلهم من المدينة. وفي اليوم التالي، اشتعلت النيران في أجزاء مختلفة من المدينة، ولكنها سرعان ما أخمدت. وبدأت القوات الإفرنسية بالاستراحة من الجهد المبذول، والاستعداد للإقامة في المدينة. فكان ذهولهم كبيرا عندما صدرت الأوامر إليهم بالاستعداد للرحيل، وهكذا جلوا عن مدينة معسكر في الثامن من الشهر. ورجع كلوزول إلى وهران تاركا بها القبائل المتنصرة التي أرادت أن تنتقم من الأمير.

قرر الأمير عبد القادر العودة إلى دار الإمارة في (معسكر) ولما يمض على احتلالها أكثر من ثلاثة أيام. وانتشرت أخبار حضوره بسرعة. فجاءت القبائل تعتذر عن تفريطها. وعملت القبائل التي استولت على الذخائر بردها إلى الأمير طالبة منه العفو، فلم ير بدا من العفو عنها وتجاوز أخطائها. وكان (الهواري - آغا بني هاشم) بين هؤلاء، وهو الذي كان قد نهب مظلة السلطان أثناء الحرب فجاء بها الآن فقال له عبد القادر في ابتسامة ساخرة؛ (احتفظ بها لنفسك،

<<  <  ج: ص:  >  >>