للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيها قتل الحَجّاجُ سعيد بن جُبَير (١)، وذلك أنه أُتي به إليه وهو مقيَّد والحَجّاج راكب، قال له: أنت الشقيّ بن كُسَيْر (٢)، أما قدِمتَ الكوفة، وقالوا: لا يؤمُّنا (٣) إلّا عربيّ؟ (قال: بلى. قال: أما وليتك القضاء فضجّ أهل الكوفة؟) (٤) وقالوا. لا يلي قضاؤنا (٥) إلا عربيّ، فاستقصيت أبا بُردة وامرأته ألّا يقطع أمرًا دونك. قال: بلى. قال: فما أعطيتك ألف ألف تفرّقها على أهل الحاجة ولم أسألك (٦) عن شيءٍ منها؟ قال: بلى. قال: فما أخرجك عليّ؟ قال: بيعة كانت لابن الأشعث في عنقي من قبل. قال: أفما كان في عنقك بيعة لأمير المؤمنين عبد الملك بنقض بيعتي، وتبقي بيعة الحائك بن الحائك، واللهِ لأقتلنّك، اختَرْ أي قتْلةٍ شئت. قال له سعيد: بل أنت اختَر لنفسك، فإنّ القصاص أمامك. ثم قال: يعفُ الأمير عنّي. قال: لا عفى (٧) الله عنّي إن عفوت عنك. قال: فضحك سعيد، فقال له: يا سعيد سمعت أنك ما ضحكت قط، فما أضحكك؟ قال: عجبت من صُنع الله فيك. فقال: يا حَرَسيّ اضربا عُنقه، فضربه السيّاف ضربة واحدة، فوقع على الأرض وتَشَاهد ثلاث مرّات، فقال في الآخرة: أشهد أن لا إله إلا الله، خفيًّا، فزعق (٨) الحجّاج من فوق رأسه وقال: فردونا، فظنّوا/ ٦٢/ أنه يقول: قيودنا، فقطعوا رِجليه وأخذوا القيود.

وقيل: إنه من ذلك اليوم ما عاد يركب، وبقي أربعين يومًا يراه في النوم وهو يراه ماسكًا بجامعة ثيابه وهو يقول: على مَ قتلتني يا فاسق؟ فينتبه مرعوبًا ويقول: ما لي ولسعيد بن جبير؟

وقيل: إنه رؤي (٩) بعد موته في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: قتلني بكل قتلة قتلة واحدة وقتلني، وبسعيد بن جبير ماية ألف قتلة (١٠).


(١) انظر عن (سعيد بن جبير) في: تاريخ الإسلام (٨١ - ١٠٠ هـ) ٣٦٦ - ٣٧٠ رقم ٢٧٥ وفيه حشدنا مصادر ترجمته.
(٢) يعني: ما أنت سعيد بن جُبَير.
(٣) في الأصل: "يومنا".
(٤) ما بين القوسين عن الهامش.
(٥) الصواب: "قضاءنا".
(٦) في الأصل: "اسلك".
(٧) الصواب: "عفا".
(٨) في الأصل: "فرعك".
(٩) في الأصل: "رُاي".
(١٠) انظر: الطبري ٦/ ٤٨٧ - ٤٩١، العيون والحدائق ٣/ ٩، ١٠، الكامل ٤/ ٥٤، ٥٥، نهاية الأرب ٢١/ ٣٢٢، ٣٢٣، تاريخ الإسلام (٨١ - ١٠٠ هـ) ٣٦٧، ٣٦٨، البداية والنهاية ٩/ ٩٦، ٩٧، وفيات الأعيان ٢/ ٣٧٢ - ٣٧٤، وفيه: "قتلني بكل قتيل قتلته قَتْلة، وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة". (٢/ ٣٧٤).

<<  <   >  >>