للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المثال الثاني والأربعون

الشهود (١): وهم قِوَام غالب المعاش والمبادلات. وقد ذكَر الفقهاء ما لهم، وما عليهم، فاستوعبوا، وذمَّهم قوم وقالوا: إن سفيان الثوريّ قال: الناس عدول إلَّا العدول (٢)؛ وإنَّ عبد اللَّه بن المبارك قال: هم السفلة؛ وأنشدوا:

قومٌ إذا غضبوا كانت رماحهم ... بثَّ الشهادة بين الناس بالزورِ

هم السلاطينُ إلَّا أنَّ حكمهم ... على السِّجلَّات والأملاكِ والدورِ

وقال آخر:

إيَّاك أحقاد الشهود فإنَّما ... أحكامهم تجري على الحكَّامِ

قومٌ إذا خافوا عداوة قادرٍ ... سفكوا الدما بأسنَّة الأقلامِ

وقال آخر:

احذر حوانيتَ الشهو ... دِ الأخسرين الأرذلينا

قومٌ لئامٌ يسرقو ... نَ ويحلفون ويكذبونا

وكل هذا عندنا غلوّ، وإفراط، وتجاوز. ومن سلكَ منهم ما أمرَ به واجتنب ما نهى عنه محمود مأجور؛ غير أنه قد غلب على أكثرهم التسرُّع إلى التحمّل، وذلك مذموم. وأخذ الأجرة على الأداء وهو حرام. وقسمة ما يتحصَّل لهم في الحانوت، وذلك منهم شركة أبدان، وهي غير جائزة فعليهم النظر في ذلك كله، ومراقبة الحقِّ سبحانه وتعالى. وأمَّا شهود القيمة (٣) فعلى خطر عظيم.


(١) كان الشهود في العهد الماضي قومًا يتعرفون أحوال الناس ويشهدون في القضايا، وقد نصبوا أنفسهم لذلك فصارَ ذلك حرفتهم، وكانت لهم حوانيت كما لطائفة المحامين في هذه الأيام مكاتب وقد عطلت حرفة الشهادة في هذا العصر.
(٢) هم الشهود لأنه يعتبر فيهم العدالة، واحدهم عدل.
(٣) شهادة القيمة تكون عند تقويم ما يتنازع فيه الشركاء توصلًا للتقسيم، ويتولَّى هذا في اصطلاح العصر الخبراء.

<<  <   >  >>