للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بهم وبها عن الازدياد في العلم، فكم رأينا فقيهًا تردَّد إلى أبواب الملوك فذهب فقهه، ونسي ما كان يعلمه، وإلى فساد عقيدة الأمراء في العلماء فإنهم يستحقرون المتردَّد إليهم، ولا يزالون يعظمون الفقيه حتى يسألهم في حوائجه. ويؤول ذلك إلى أنهم يظنون في أهل العلم السوء ولا يطيعونهم فيما يفتون به، وينقصون العلم وأهله، وذلك فساد عظيم، وفيه هلاك العالَم.

وإذا قال لك فقيه: إنَّ التردُّد إلى أبواب السلاطين لإعزاز الحقّ ولنصرة الدين، ولغرض من الأغراض الصحيحة، فقل له: إن صحَّ ما تقول -وأنت أخبر بنفسك- فأنت على خطر عظيم، لأنَّك قد انغمست في الدنيا، وأنت تدعي أنك تقصد بها الآخرة. وإن ثبت هذا فما نأمن عليك أن تنجرَّ مع الدنيا. ولذلك كان سفيان الثوري رحمه اللَّه يقول: إن دعوكَ لتقرأ عليهم "قل هو اللَّه أحد" فلا تمض، ولا تقرأها. وبالجملة أنت أخبر بنفسك، فابحث عنها. أنشدنا الحافظ أبو العباس بن المظفر الأشعريّ بقراءتي عليه قال: أنشدنا الحسن بن عليّ بن أبي بكر محمد بن الخلال بقراءتي عليه قال: أنشدنا جعفر الهمداني سماعًا قال: أنشدنا أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرَّحمن بن يحيى العثماني الديباجي الإمام قال: كتب إليّ العلَّامة أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري من مكة وأجازني ح (١) وكتب إليَّ أحمد بن عليّ الحنبلي وزينب بنت الكمال وفاطمة بنت أبي عمر عن محمد بن عبد الهادي عن الحافظ أبي طاهر السِّلَفيّ عن الزمخشري قال: أنشدنا أحمد بن محمد بن إسحاق الخوارزمي قال: أنشدنا أبو سعد المحسن بن محمد الجشميّ قال: أنشدنا الحاكم أبو الفضل إسماعيل بن محمد ابن الحسن قال: أنشدنا القاضي أبو الحسن عليّ بن عبد العزيز الجرجاني لنفسه:

يقولون لي: فيك انقباض. وإنَّما ... رأوا رجلًا عن موقف الذلِّ أحجما

أرى الناس من داناهم هانَ عندهم ... ومن أكرمته عزَّة النفس أُكرما

وما كل برق لاحَ لي بستفزني ... ولا كل من لاقيت أرضاه مُنْعِما

وإنِّي إذا ما فاتني الأمر لم أبت ... أقلب كفي إثره متندِّما

ولم أقض حقَّ العلم إن كان كلَّما ... بدا طمع صيّرتُه لى سلّما


(١) وأجازني حينئذٍ و (ح) عند المحدثين رمز لتحويل الإسناد.

<<  <   >  >>