للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخرُّصًا وأحاديثًا ملفَّقة ... ليست بنَبْعٍ إدا عُدَّت ولا غَرَب (١)

وقال آخر:

لا تركننَّ إلى مقال منجم ... وكلِ الأمور إلى القضاء وسلم

واعلم بأنَّك إن جعلت لكوكب ... تدبير حادثة فلست بمسلم

وأحقَّها باسم السحر ما كان بالخواص التي يحدث عندها فعل حقيقي؛ كمرض، ومحبة، وبغض، وتفريق بين زوجين. ودون هذه المرتبة أن يكون تخييلًا لا حقيقة له. وهو سحر أيضًا؛ إلَّا أنه دون الأول. وذلك علم السيمياء. وأمَّا الشعبذة فخيالات مبْنية على خفّة اليد، والأخذ بالبصر؛ فهي دون السيمياء. وأمَّا استخدام الجانّ فلا يسمَّى سحرًا بالحقيقة وأمَّا تجرد النفوس فليس من السحر الحقيقي في شيء، بل ربَّما تجرَّدت لخير، وربَّما تجردت لشر. وقد حكي أنَّ السلطان يمين الدولة محمود بن سُبُكْتِكين لما غزا الهند انتهى إلى قلعة منيعة عصت عليه مدة. فخرج إليه بعضُ أهلها، وقال: إنَّك لا تقدر عليها؛ إلَّا أن تصنع ما أقول لك. قال قل: إذا كان وقت مطلع الشمس مُر الجيش بضرْب الطبول ضربًا واحدًا مزعجًا، وازحَف على القلعة أنت والجيش يدًا واحدة. ففعل، فافتتح القلعة. ثم سأله عن السبب. فقال: إنَّ أصحاب هذه القلعة أصحاب همم وتوجّهات، وقد صرفوا هِمَّتهم إلى دفعك عنها، ولا يشوّش على نفوسهم ويفرِّقها شيء كالطبول المزعجة، وغَلبات العسكر. فلمَّا فعلت ذلك تفرقت هِمَمُهم وشُغِلوا عن التوجُّه، فنلت مقصدك.

المثال السابع والستون

الصوفيّة: حيّاهم اللَّه وبيّاهم، وجَمَعنا في الجنَّة نحن وإياهم.

وقد تشعَّبت الأقوال فيهم تشعُّبًا ناشئًا عن الجهل بحقيقتهم؛ لكثرة


(١) النبع والغرب: ضربان من الشجر. والنبع من جيد الشجر، والغرب من رديئة؛ يريد أنها ليست من حسن الحديث ولا قبيحة، كما يقال: لا خمر ولا خل.

<<  <   >  >>